وكان مولده في الشويفات قرب بيروت ليلة عيد الميلاد من عام 1869 وسماه أبوه باسم شكيب، وهي تعني بالفارسية (الصابر).
وكان من أكثر الدعاة إلى الوحدة العربية حماساً، ومن أشدهم إيماناً بأهميتها وضرورتها لمواجهة الهجمة الاستعمارية على الأمة العربية، لتخرج من حالة التفكك والتشرذم والضياع التي أرادها لها المستعمر، حتى يسهل له السيطرة على أهلها والاستيلاء على خيراتها ومقدراتها.
ومن تشبيهاته البليغة وصف الأمم المتحدة ببحر بلا ماء يقول شكيب أرسلان:
(الأمم المتحدة مثل عروض بحور الشعر بحر بلا ماء ما، وجدت إلا لتلبس الاعتداء حلة القانون لا يطيعها سوى ضعيف عاجز، ولا تستطيع أن تحكم على قوي متجاوز، ألغت المدنية الحديثة رق الأفراد، وسنت رق الأمم).
عاش شكيب أرسلان نحو ثمانين عاماً، قضى منها نحو ستين عاماً في الكتابة والخطابة والتأليف والنظم، وكتب في عشرات الدوريات من المجلات والصحف في مختلف أنحاء الوطن العربي والإسلامي، وبلغت بحوثه ومقالاته المئات، فضلاً عن آلاف الرسائل ومئات الخطب، كما نظم عشرات القصائد في مختلف المناسبات.
وقد اتسم أسلوبه بالفصاحة وقوة البيان والتمكن من الأداة اللغوية مع دقة التعبير والبراعة في التصوير حتى أطلق عليه (أمير البيان).
شبّ شكيب أرسلان ليجد العالمين العربي والإسلامي فريسة للمستعمرين والغزاة المحتلين، ومن ثم فقد نما لديه وعي قوي بضرورة الوحدة العربية وأهميتها في مواجهة أطماع المستعمرين ومؤامرات الغزاة لإضعاف الأمة العربية وتفتيتها ليسهل لهم السيطرة عليها.
وتعرض شكيب أرسلان بسبب مواقفه الوطنية للكثير من الاضطهاد من المستعمرين، وحيكت ضده المؤامرات العديدة من الاستعمار ومن أذنابه وسعى المحتلون إلى تشويه صورته أمام الجماهير، وكان لا يثق بوعود الحلفاء للعرب، وكان يعتقد أن الحلفاء لا يريدون الخير للعرب، وإنما يريدون أن يقسموا البلاد العربية.
وظل شكيب أرسلان مطاردًا من أكثر من دولة، فتركيا تطارده لاهتمامه بقضايا العرب، وإنكلترا وفرنسا تطاردانه لدفاعه عن شعوب الأمة العربية ودعوته إلى التحرر، وتزعمه حملة الجهاد ضد المستعمرين، كما ظل مبعداً لفترة طويلة من حياته عن كثير من أقطار الوطن العربي، لا يُسمح له بدخولها، وخاصة مصر وسورية، وعاد إلى بلادة بعد جلاء المستعمر عن أرض الوطن في عام 1946.
وانطلق شكيب أرسلان في بلاد العالم يشرح قضية العرب ويفضح فظائع المستعمرين ويكشف زيفهم وخداعهم في كثير من بلدان العالم، فسافر إلى إيطاليا وأميركا الشمالية وروسيا وإسبانيا، وقد استقبل في كل بلد زاره بكل حفاوة وتقدير، ونشر الكثير من المقالات التي تفضح جرائم المستعمرين في حق الدول العربية والإسلامية، وتصور الحالة الأليمة التي صارت إليها الأمور في كثير من البلدان التي ترزح تحت نير الاستعمار.