هذا الصدى إنما يجسد عمق وتجذر العلاقات السياسية بين أميركا وإسرائيل وكذلك الفشل الذريع للسياسة الخارجية الأميركية بشكل غير مباشر في تحريك عملية السلام المحتضرة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني إلى جانب تعثرها المخزي في تحريك القضايا العالقة في الشرق الأوسط عموماً.
وبدوره سارع زميله في الحزب الجمهوري ميت روني يتشدق بكلمات غاية في التأثير لكي يخطب ود اليهود الأميركان ويستحضر دعمهم المؤثر حتى وصل به الأمر على غرار باراك أوباما للمجاهرة بالعقيدة السياسية وحتى الدينية للدولة العبرية.
من مقره الرئاسي في القدس يراقب بنيامين نتنياهو بارتياح عميق التطورات الجارية في أميركا على صعيد النقاشات والمزايدات السياسية التنافسية بين المرشحين للبيت الأبيض والقائمة على إيلاء كل اهتماماتهم بالقضية الإسرائيلية وتقديم كل دعمهم لإسرائيل حكومة وشعباً مع علمه الأكيد أن أوراق المزايدات هذه لابد وأن تسقط عاجلاً أم آجلاً لأن الحملة الانتخابية الأميركية سوف تركز مجدداً وفي نهاية المطاف على القضايا الاقتصادية في البلاد.
في الوقت الراهن ينطلق نتنياهو لمتابعة سياسته الاستيطانية والتوسعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بحرية تامة غير مشوبة بقلق البتة لاسيما وأن واشنطن منهمكة الآن بالتحضيرات للانتخابات الرئاسية وتريد ممثلة بمرشحيها كسب ود اللوبي اليهودي الذي يمثل 2٪ من الأصوات فقط لكنه صوت مؤثر للغاية في بعض الولايات المهمة.
ولئن بلغت شعبية نتيناهو أوجها فإنما الأمر يعود في جزء منه إلى فشل باراك أوباما بمعنى أن نتنياهو استطاع الإفلات من قبضة نظيره التي طوقته لسنة ونصف السنة كون هذا الأخير قد فقد بوصلته تماماً حين ارتأى أن يجعل من مسألة وقف الاستيطان الاسرائيلي مبدأ جوهرياً لنهجه في حل النزاع بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني وبالحري تعمده إظهار غياب دائم عن الموقف إياه دون أن يأخذ بالاعتبار القرار السياسي الإسرائيلي بخصوص قضية شبه وجودية.
يقال إن باراك أوباما فقد مصداقيته لدى «اسرائيل» علماً أن شعبيته تحسنت لتصل إلى 54٪ من المؤيدين له بسبب معارضته وعرقلته للخطوة الفلسطينية في الأمم المتحدة مؤخراً وتعنته حيال الملف النووي الإيراني وفي الوقت نفسه ثمة حذر وشكوك متبادلة بين الرئيسين نتنياهو وأوباما.
والسؤال المطروح: هل يؤثر عامل الحذر المتبادل بينهما على «العلاقة الخاصة» بين حكومتيهما؟
وهل سيبقى لهذه العلاقة أي معنى حين يستخدمها أوباما لمطالبة نظيره ببضع التنازلات العلاقة الاستراتيجية بينهما لن يعتريها في الواقع أي فساد ففي الشرق الأوسط المضطرب بأحداث «الربيع العربي» تبقى إسرائيل الملاذ الآمن للولايات المتحدة.
تلك «العلاقة الخاصة» كما يوضح لنا الأستاذ الجامعي المتخصص في العلاقات الإسرائيلية الأميركية من جامعة تل أبيب إيتان جيلوبا إنما تعكس بداية شعور الرأي العام الأميركي المتعاطف مع إسرائيل الشعب الأميركي يخيل إليه أن بلدينا ذوي التقليد اليهودي -المسيحي يتقاسمان قيماً ديمقراطية مشتركة.
تدفع بهما للاتحاد معاً في مكافحة الإرهاب بحسب زعمهما لكن أوباما يحاول وعلى الدوام رسم مسافة بينه وبين نظيره مبدياً بعض التحفظ لكنه فشل وأخفق لتوه!
ولقد أصاب الدبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط شلل شبه تام بسبب تضاعف فشل قائدها السيد أوباما والذي تمثل في كف الإسرائيليين والفلسطينيين معاً عن الاعتقاد به كوسيط نزيه وكذلك تعثر خطوات الرباعية الدولية المكونة من أميركا والاتحاد الاوروبي، والأمم المتحدة، وروسيا، التي جرها أوباما للمنطقة لتنجز مهمة عملية السلام بإشراف ممثلها السيد طوني بلير الذي ماانفك طوال الوقت يردد «كالببغاء» أصوات وآراء واشنطن على حد تعبير الفلسطينيين.
المهم أن الشعب الفلسطيني فقد رجاءه بوعود الرئيس الأميركي أوباما «الخائن» بعد أن أظهر لهم نفسه في خطاباته الأولى كبطل يريد حل مسألة الاستيطان الإسرائيلي على أراضيهم المحتلة ليتحول بعد زمن يسير إلى بطل من نوع آخر يستميت في الدفاع عن آراء نتنياهو في وجوب استمرار الاستيطان في تلك الأراضي.
ولكن في أيار الماضي حاول أوباما مجدداً انتهاج موقف متوازن حين أعلن في خطابه آنذاك عن ضرورة استئناف المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني على أساس خطوط الرابع من حزيران 1967 ومقايضة مقبولة للأراضي ليستعيد الشعب الفلسطيني بعض الأمل.
وليصيب الإسرائيليين في المقابل سخط شديد سرعان ما تحول إلى فرح وتهليل عظيمين حين سارع أوباما إلى التلويح بفيتو مزدوج مرة حيال قرار إدانة استمرار الاستيطان من قبل الأمم المتحدة ومرة أخرى حيال محاولة انتزاع عضوية كاملة للدولة الفلسطينية من الأمم المتحدة ومجلس الأمن من قبل شعبها ممثلاً برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
وفي غضون ذلك كان لنتنياهو تصور محدد للدولة الفلسطينية دولة عرجاء عاجزة, أوباما لم يرد على رؤية نظيره بكلمة كونه في الواقع راضياً كل الرضى عن ذلك.. ولكن إلى متى ؟
بقلم: لوران زيكشيني