كيف تقنع نفسك-قبل الآخر- بالطيران وأنت دون جناحين!.. لم يكن عروة أو (طرفة) أو (روبن هود) صعاليك على الورق، بل سكنوا الأحراش والمغارات ولعنهم الأهل والأوطان والأعراف.
مثل المتمثّلين للصّعلكة كمثل الشاعر الخليجي الذي أراد أن يكتب قصيدة عن (البيرة) فسافر إلى اسطنبول، أقام في أحد الفنادق الفخمة على ضفاف البوسفور، طلب صندوقاً من الجعة ثمّ بدأ يسكب الكأس تلو الأخرى، يشاهد فيضها ثمّ يلقي بها في الماء.. ويكتب قصيدته العتيدة!.
ليسمح لي بعض دعاة التمرّد الورقي من الذين لم يغادروا بيوتهم إلاّ للمدرسة أوالوظيفة ولا يلعبون إلاّ في حواريهم، ليسمحوا لي بهذه الأسئلة المحرجة بعض الشيء:
- هل خنت امرأة لأجل فكرة.. وخنت فكرة لأجل امرأة..أو حتى وطن؟
- هل كرهتك السوقة والدهماء لأجل فكرة؟
- هل نمت جائعا وكظيما ومتألّما لأجل فكرة؟
- هل ذقت طعم التشرّد واليتم والغربة لأجل فكرة.؟
- هل تهت وسحت في المدن الباردة وتحدّثت بلغة لا يفهمها أحد..لأجل فكرة.؟
- هل عايشت الأوغاد والغدّارين والكحوليين والحشّاشين وكنت لهم بالمرصاد... لأجل فكرة.
- هل قادتك الحاجة إلى الاحتيال والكذب والسرقة لأجل فكرة.؟
- هل طاردك الدائنون والعسس والمتربّصون لأجل فكرة؟
- هل بكيت يوماً أمام الله.. وأصدقائك –الذين غدروا فيك بعدها-لأجل فكرة؟
- هل حاورت كل الأديان والأعراق والأجناس والثقافات لأجل فكرة؟
- هل تصرّفت أمام الأثرياء كمحتاج وأمام الفقراء كثري من أجل فكرة؟
- هل كنت يوما فأر مكتبات ثمّ صرت قطّاً يصطاد تلك الفئران القارضة لأجل فكرة؟
- هل مارست الاحتيال و(الكلا كلا) في المدن البعيدة مثل أبي الفتح الإسكندري في مقامات الهمذاني.. وكل ذلك لأجل فكرة؟
- هل أعجب بك أعداؤك -قبل أصدقائك-.. وصفّقوا لك غصبا عنهم، ابتسموا لك بأنياب صفراء وحضنوك بأذرع من شوك..وكل ذلك لأجل فكرة تدافع عنها مثل مقاتل من عصور العزّة والكبرياء.؟
- هل كتبت شعراً مهلهلاً في امرأة عظيمة، وشعراً رائعاً في امرأة تافهة.. ولم تكتب شيئا أمام امرأة ليست ككل النساء؟.
- هل خانك السمع والبصر واللسان.. ولم يخنك.. قلبك لفكرة في قلبه؟
- هل تنسى دائما أن تعدّ النقود التي في جيبك والكؤوس التي تشربها والنساء التي تشتمك والبلاد التي قالت لك (خذ حقيبتك)..والأحذية التي تسكّعت بها، الأوراق التي كتبتها.. يا الله.. كل ذلك لأجل فكرة!
- (هل غادر الشعراء من متردّم أم هل عرفت الدار بعد توهّم).. هل تأمّلت يوما في هذا البيت العبسي؟...هل قال عنترة يوما، وهل تستحي الشعر أمام الملفقين والرواية أمام الجوّالين.. والمسرح أمام صنّاع الملهاة والمأساة؟
- هل قرأت الأفق والأفلاك قبل الكتب والأنترنت؟.. هل بحثت عنك فيك قبل محرّكات البحث المعتمدة في الشبكة العنكبوتيّة ؟هل وجدت الفكرة التي كادت أن تضيّعك؟
- هل ناقضت فكرة لأجل فكرة؟
- هل كان جوابك بـ (نعم) على هذه الأسئلة الافتراضيّة؟..ليس شأناً كبيراً في أنّك تشبهني.
عزيزي الذي يحلم بالرواية والشعر والمسرح.. احلم بالحياة أوّلا لأنّ الذين شهرهم التاريخ لم يحلموا بالشهرة إطلاقاً.. التاريخ يكره الذين يلقّنونه الأوامر ويريدون لوي ذراعه.. التاريخ هو نحن في غفلة من المؤرّخين، هو نحن حين لا ننتبه إلى أسمائنا في الكتب.
متى نعلم أنّ الكتابة والشهرة من غير قراءة وحياة (كما يجب)، مثل الذي يحلم بالربح-عيناه على دواليب الحظ- دون أن يشتري ورقة يانصيب؟!.
لم تكن الصعلكة يوماً خياراً وإنّما قدراً لا يحسد عليه أصحابه..(الصعلكة بمفهوم عروة طبعا)...
عزيزي الذي يستعير حياة الآخرين كي يكتبها، اعلم أنّ الأجداد قد قالوا:(ثوب العيرة ما يدفّي).
hakemmarzoky@yahoo.fr