في الأزمات يصفي الوطن حساباته مع ذاته.. وهل ذاته إلا أفراد عائلته وأحبابه وحياته وذكريات عمره؟
جردة حساب وطنيه.. وتصفيات وجدانية: في الوجدان الوطني المتروك عند حافة الإهمال تتراكم بشاعات وعيوب وتعاسات وأيضاً حقارات.. هذه التراكمات السيئة لابد من كنسها واستبدالها بتراكمات الجمال والجودة.. كما يفعل الأزواج والزوجات، إذ يفكرون ويفكرن بترميم العلاقات العشقية فيما بين القلوب والأفئدة لأن تراكمات الحاجات وأسئلة العيش الملحاحة أكثر من الشحاذين، تبطل عمل العشق وتلغي الرسائل الوجدانية، فتصير كلمات الأزواج مثل (بونات التموين) سكر وشاي.. كل شهر للشخص قدر محدد من هذه الحاجات.. وكل شهر ينسى الشخص أن يخصص لقلبه وقلب الأحباب أي كلمات عشقية.. فيغدو القلب مع الوقت بيت حاجات وغرفة للأسئلة المستعملة والمعيشية.. ورويداً رويداً تنطفىء قناديل الجسد العشقية، وتتوقف الأنوثة عن تفتيح براعم الحروف.. فيهطل (الشحار) على النفوس وقد تهطل الفلوس...وتهطل املاءات الشراء والبيوت والجمع والقبض على المنافع... ومع هذه الأحوال وقبلها وبعدها تترك الوجدانات في مستودعات النسيان، حتى يصيبها الصدأ وتصيبها حالة التراكمات البشعة.. ويتعطل جهاز إنذار الحب.. حاجات وحاجات بلا حب؟!!
الأزواج قد يضيعون أمام مفترقات وجداناتهم دون الالتفات إلى جردات الأشواق وبحث واقع الأزمات العاطفية والعائلية.. لكن الوطن لا يخطئ هكذا خطأ فادح أو لعله لا يتراخى عن تصفية تراكمات العيوب والفساد الأخلاقي والوطني والعاطفي والمالي والحاجاتي..
خسرت البيوت أجمل الوردات وأهدت أجمل العواطف وأعلى الطاقات والغيمات والنسمات.. ومرت على البال أنات موجعات وجراحات مثخنات..
ومرت على الوطن الطعنات واللعنات والخيانات من مختلف المقاسات فأحس النبض الوطني العام أن الحاجة صارت أكبر من إمكانية الصمت والسكوت..
وطن يجود بأجود حبه وأبهى قمصان أخلاقه وقناعاته وصبره والعاقون يعاقبون بالفساد حيناً وبالقتل حيناً وبالسرقات حيناً وبالغدر والتعاسات: الفساد إجرام والإجرام إرهاب وإجرام؟!!
شريحة كبيرة يرون جيوبهم أكبر من الوطن..
ويتمرسون ويتفنون وبالبطر وسلب الصلاحيات مافيها من صلاح ويتركون ما فيها من تنفيعات.. مديريات وإدارات ووزارات .
القائمون عليها لا يرون في جملتها وتفصيلها وعامليها وموظفيها وأذنتها وآذناتها وعاملاتها وموظفاتها إلا بقدر ما ينظرون إلى أنانيتهم المتورمة مثل أرجل الرياضيين المصابة بالتصدع والكسور.. واللغة الحطبية التي يمن بها المسؤولون هؤلاء الشباب منهم والمعمرون على الآخرين هي اتهامية وانتقاصية وكأن هذا المسؤول مخلوق من الغيمات.
والآخرون مخلوقون من الترابات؟!
وبعض الذين يسمون أنفسهم معارضة رائحة عفونة تعقيداتهم قاتلة كالفساد...
الكثيرون من هؤلاء الشباب يهطلون على الوطن والناس بلغة: سنطور ونحرر ونبدل بما يتلاءم ويتأقلم ويتوافق مع الحداثة والمعطيات.. وكأن الآخرين لا يفهمون ولا يفقهون.. وهم فقط مخلوقات الفهم والحداثة؟!
وكل مسؤول يهل برغباته والذين يرغب بهم واللواتي واللائي واللاتي والأولئك والهؤلاء... والكفاءات والمساواة والعدالة الصغرى والكبرى هي كما يرى هذا المسؤول المخلوق من الغيمات وفي أهم اللحظات؟!!
وطن للرغبات والمسؤوليات التنفيعات والاعتبارات فيه مافيه من إهانات ويحتاج ما يحتاج من أزمات وتصفيات حسابات وجدانية وأخلاقية وإدارية.. وهذا ما يود فعله وإنجازه الوجدان الوطني المعافى من وعكات المسؤولية وآفة التسلط والتسلح الإداري.. مدير عام يساوي كل أخلاق الكائنات لأن بيديه الأمر.. بجرة قلم يجر لقمة عيش البشر إلى الهاوية؟!
وطن يجود بالحب ألا يستحق الحب؟ والذين يتمتعون بالكراهية ألا يليق بهم التمتع بأبسط أنواع الوفاق والألفة بدلاً من أعقد أنواع الكراهية ألا وهو الإجرام والإرهاب واللعب بنار المذاهب والطوائف والدين؟
وطن عظيم وحنون ويبتكر الحياة واللغة الحلوة والعيش والطمأنينة والديانات والأخلاق منذ آلاف السنوات والعديد من الحضارات والابتكارات ألا يطيب لأبنائه أن يجروا حسابات إصلاحات وجدانية وأخلاقية وحياتية وإدارية خارج فعل التخريب والتقطيع والإساءات اللئيمة؟!
في وجدان الوطن أفعال احتياطية راقية ودوام فعاليتها أبدي: فعل المواطنة وفعل الوفاق وفعل الالتقاء وفعل الانتصار على عيوب الذات والجيوب والأنانيات..
فعل الفساد أبشع فعل ونرى المسؤولين يعشقونه وفعل الاجرام والكراهية فعل وسخ؟!! وطن يستحق أن نبادله الحب لا أن نعاقبه...