ومعلوم أنه مدرب ومكتشف لعدد كبير من نجوم السينما العالمية من بينهم ( مارلون براندو وجيمس دين وآل باتشينو- روبيرتو دينيرو- ميريل ستريب- جاك نيكلسون- جيف فوندا- أنتوني هوبكنز) وغيرهم كثيرون من نجوم هوليوود الأكثر تأثيراً.. فتعلموا على يديه الفلسفة القائمة على ما سمي (المدرسة الأسلوبية في الأداء) أو ( استديو الممثل) التي تحث وتعلم الممثل الاعتماد على نفسه كمصدر أساسي في التقمص والأداء أكثر مما هو مكتوب في السيناريو أو من توجيهات المخرج نفسه، ويتعين على الممثل البحث في داخله عن مشاعر مشابهة لمشاعر الشخصية.. فيتقمصها ثم يمثل على أساس أسلوبه الذاتي.
ولد إيليا كازان في 7 أيلول 1909 لأبوين يونانيين عملا في التجارة، ثم سافر إلى الولايات المتحدة 1930 وكابد هناك قسوة إقصائه من النخبة البيضاء، كان يسارياً وناشطاً في التكتل الشيوعي الأميركي، وتنامى دوره في الأوساط اليسارية قبل الحرب العالمية.
درس الفن المسرحي في مدينة بال، انضم إلى فرقة (مجموعة المسرح) المؤمنة بفكرة العمل الجماعي، خلال سنوات الإعداد المسرحي مارس العديد من المهن! مسؤول اكسسوارات ، ممثل ، مساعد مخرج، ثم مخرج مسرحي... أصبح خلال الحرب العالمية الثانية أحد ألمع المخرجين المسرحيين في برودواي. ثم عمل في السينما (الوثائقية والروائية القصيرة) ، وتوالت أفلامه الاجتماعية وحاز على جائزة الأوسكار عن فيلمه (جنتلمان 1947)، ثم برز كمخرج فذ في فيلم «ذعر في الشوارع».
في بداية عام 1952 أنجز أهم أعماله السينمائية للكاتب تنيسي ويليامز، عربة تدعى اللذة، بطولة مارلون براندو - فيفيان لي، وكان قد قدم القصة كمسرحية على خشبة أحد مسارح برودواي عام 1947.
والملاحظ في سيرة كازان أن عمله في المسرح لم ينقطع أبداً طوال سني حياته. فكان يعمل في السينما والمسرح..
وجد المخرج إيليا كازان في «استديو الممثل» عام 1947 خطوة حاسمة في تكريس (منهج ستانسلافسكي) على الطريقة الأميركية وشاركه في ذلك روبرت لويس وتشيريل كروفورد في العمل لتأسيس مدرسة نموذجية تستلهم تعاليم ستانسلافسكي ( لما جاء في كتاب رؤى في المسرح العالمي والعربي) للدكتور رياض عصمت.
تأثر إيليا كازان بشدة بالواقعية النفسية لستانسلافسكي ما جعله يؤسس لاستديو الممثل الذي أسند إدارته إلى لي ستراسبوغ في بحثهما عن المشاعر الحقيقية في أداء الممثل.. ولأول مرة.. حين كان الأداء في السابق قبل الأربعينيات يعتمد على المبالغة الزائدة عن الحد الطبيعي، وهو المبدأ الخاص بالمسرح الذي انتقل بعد ذلك إلى السينما ، فالأداء التمثيلي الحديث اتسم بواقعية وطبيعية أكثر .. ويفترض لو أن عشرة ممثلين أدوا دوراً بعينه فمن المتوقع أن يقدموه بعشر طرق مختلفة، بينما كان الأداء في السابق منسوخاً من بعضه، وكأنه أقنعة تلبس حسب الشخصية وتكاد تنحصر في خمسة أنواع: (قناع الخير- قناع الشر- قناع المحب- قناع المتغطرس- قناع الفقير).
صحيح أن ستانسلافسكي بدأ منذ عام 1907 بوضع نظريات وتمارين لجعل التمثيل واقعياً وطبيعياً، وتعرف مجموعة نظرياته بشكل عام باسم الأسلوب، وقد غير أسلوبه شكل التمثيل في روسيا وبقي محصوراً فيها إلى أن جاء لي ستراسبوغ وتبنى أسلوب ستانسلافسكي وفق منظوره الخاص في فرقة (مسرح الجماعة) ولاحقاً في «استديو المخرج» الذي أسسه المخرج العبقري إيليا كازان. والمخرجة المسرحية كروفورد، انضم إليهم ستراسبوغ وأصبح مديراً له عام 1952.
واحتفظ بذلك المنصب حتى وفاته 1982 وكان خلال تلك السنوات المدرس والمدرب الرئيسي بل المعلم الوحيد، ومن الفنانين الذين تعاقبوا على منصب إدارة الاستديو الممثلة إيلين بيرستين والممثل آل باتشينو والمخرج المسرحي فرانك كوروسارو .
ولابد من التأكيد أن «استديو الممثل» ليس مدرسة أو معهداً ولا يعطي فرصة لغير الممثلين لتعلم التمثيل.. كما أنه ليس موجوداً لمنح الممثلين المغمورين فرصة لاكتساب الشهرة، بل هو للممثلين الموهوبين الذين حققوا إنجازات متفوقة في مجال التمثيل لزيادة عملهم تميزاً، والفلسفة الكامنة وراء وجود استديو الممثل أو المخرج أو الكاتب أو المؤلف المسرحي الذي يقبل في استديو الممثل لا يدفع أي رسوم في أي وقت.
ويطلب من كل ممثل يريد العضوية أن يجتاز اختبارين قصيرين في التمثيل، الأول بحضور أحد أعضاء الاستديو، والثاني بحضور ثلاثة أعضاء، وشرط العضوية الوحيد للممثلين هو الموهبة والخبرة السابقة في التمثيل ، وعلى هذا فإن استديو الممثل لا يقبل إلا عدداً محدوداً جداً من الممثلين في كل عام.
المبدأ الأساسي يعتمد على استرجاع الممثل لمشاعر حقيقية للدور لتوظيفها في الأداء. والبحث في أعماقه عن الذاكرة التي تستثير فيه الشعور المناسب للحالة أو الدور الذي يؤديه، ثم إذا بدأت مشاعره بالتدفق.. والذاكرة هي ليست الذاكرة الذهنية.. بل الذاكرة الشعورية المرتبطة بالحواس الخمس، اللمس- الرائحة- استرجاع الطعام- أو الصوت أو المنظر أو موقف عاشه يوما يرتبط بذلك الشعور الذي سيستخدمونه في التمثيل.