وأوباما نفسه على اعتبار أن الولايات المتحدة الأميركية هي الخادم والمدافع عن الكيان الصهيوني وتنفذ ماتؤمر به من قبل قادة الصهيونية العالمية وهذا ما أفقد المنظمة الدولية هيبتها ومصداقيتها كون الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية الواقعة في فلكها تسيطر وتهيمن عليها، لذلك لم تنفذ ولاقراراً من قراراتها تجاه الفلسطينيين إلا إذا كانت تفيد الصهاينة وهذا ليس غريباً على دولة قامت على القتل والاغتصاب وإبادة شعب بكامله.
إن الذين يراهنون على واشنطن في حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً لايمثلون سوى ساتر دخاني لحجب حركة المتآمرين على القضية لتصفيتها ودفنها وهم يخدعون أنفسهم بالرغم من أن الأميركيين والصهاينة يعلنون أنهم لن يعيدوا شيئاً من الحق لأصحابه ويتردد ذلك على لسان الكثير من قادتهم وكتابهم وهذا واحد منهم يقول: «مامن عودة، حان الوقت لنقول للاجئين الفلسطينيين بأنهم لن يعودوا إلى إسرائيل، ويعلن الأميركيون بأنهم سيستخدمون «الفيتو» ضد إقامة الدولة الفلسطينية، ويوافق الكنيست على بناء 1500 وحدة سكنية جديدة في القدس الشرقية بالرغم من كل هذا يحلم البعض بإعادة الأرض والحقوق عن طريق المفاوضات وعن طريق الأمم المتحدة! وفي الواقع إن طرح القضية في الأمم المتحدة يمكن أن يؤدي على احتمالات عدة ومنها قيام العدو الصهيوني بحرب ضد الفلسطينيين والقوى المقاومة في المنطقة، فهذا «جدعون ليفي» في صحيفة «هآرتس» يقول: إن قيادة الجيش الإسرائيلي طالبت الحكومة بزيادة الميزانية العسكرية من 54 مليار شيكل إلى 65 مليار شيكل بسبب التطورات الجديدة في الشرق الأوسط بعد سقوط مبارك واستمرار صمود القيادة السورية، ويرجح بعض المحللين السياسيين الذهاب باتجاه إشعال الحرب في المنطقة من قبل واشنطن وبريطانيا وفرنسا كمخرج من الأزمات التي يعانون منها، خاصة وأن بعض الدول العربية تشن حملة على سورية وتسخن الأجواء ضدها ويحذر البعض في الكيان الصهيوني من أن انهاراً من الدماء ستجري مع استحقاق أيلول وذهاب الفلسطينيين على الأمم المتحدة ويدعو إلى استعدادات عسكرية في حين يرى بعضهم الآخر بأنه لاداعي للخوف مادام «الفيتو» الأميركي موجوداً بينما يرى اتجاه ثالث إن إصرار الفلسطينيين الذهاب للأمم المتحدة يوفر لهم فرصة تاريخية للتخلص من اتفاق أوسلو الذي أقر بحث قضايا الوضع النهائي ولاسيما قضيتي القدس وحق العودة، في حين يشدد البعض على الاستمرار في الاستيطان وكأن شيئاً لم يكن والشيء الذي تتخوف منه إسرائيل هو تعاطف الرأي العام العالمي والاعتراف بالدولة الفلسطينية ونيلها العضوية في الأمم المتحدة بالرغم من أن المراقبين داخل الكيان الصهيوني يعلمون أن أي حرب ضد سورية ستشعل المنطقة وتمتد على رقعة كبيرة وستتحول إلى مقامرة لايمكن التنبؤ بنتائجها بالنسبة لواشنطن والكيان الصهيوني لأن أطراف الممانعة والمقاومة في سورية وطهران ولبنان وفلسطين والعراق سيستخدمون كل مقومات قوتهم لإجهاض هذا العدوان.
لقد اعتبر الفكر العربي وقواه الوطنية والقومية منذ مطلع القرن الماضي الكفاح ضد الاستعمار والصهيونية وأعوانهما من أولى مهام الأمة، وخاصة على صعيد الحرية، لأنه صراع وجود، صراع بين مشروعين متناقضين، المشروع القومي العربي من جهة، والمشروع الصهيوني الإمبريالي من جهة أخرى، ومن هنا كانت الرؤية الثاقبة التي أعطت الأولوية للتصدي لهذا المشروع بأشكاله المختلفة واعتبارها من أقدس المهام التي على أحرار الأمة القيام بها، بل هي المقياس الحقيقي للانتماء والوطنية، ولقد كنا في سورية العروبة على حق، عندما اعتبرنا أن قضية فلسطين هي قضية العرب الأولى والمركزية، وعلى نجاحنا كعرب في هذا الصراع، يتوقف مستقبل الأمة العربية لأن وجود الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي في فلسطين يعني: عدم تحقيق الحرية للعرب، وأن حريتهم ناقصة، ومهما جرى من تحولات على طريق الحرية، يشعر كل عربي حر أن حريته منقوصة مادامت أرضه ومقدساته مغتصبة، وبالتالي فهو يتنازل عن الكثير من رفاهيته مقابل صون كرامته ولأن الأرض هي كالعرض لايمكن التنازل عنها أو بيعها أو المساومة عليها، من قبل كل إنسان حر وهذا ماعلمنا إياه أجدادنا الذين قارعوا المستعمرين وتحملوا شظف العيش وهذا ما أدركته وآمنت به القيادة السياسية في سورية العروبة وخاصة منذ عام 1970 وإلى اليوم، ويعني عدم القدرة الحقيقية على تحقيق التنمية والتكامل العربي والاستفادة من الثروات العربية لمصلحة الإنسان العربي، وضعف في السيادة للأمة بسبب عدم بناء دولتها الموحدة، ويعني عدم تحقيق نهضة علمية ومعرفية حقيقية ويعني أننا سنبقى تابعين ونتلقى الضربات من القوى الاستعمارية وغير ذلك كثير، ومن هنا كانت فلسطين القضية المركزية لأحرار العرب، واستمرت كذلك، بالرغم مما أصابها من تصدعات وهزائم، وتشويه، واغتيالات، وممارسات لبعض الأنظمة العربية.
إننا اليوم، يجب أن نميز بين ماهو مؤقت وعارض وطارئ، وبين ماهو دائم وثابت ومستمر، وعلينا أن نعرف كيف نفرق بين التعامل مع الواقع من أجل تطويعه وبالتالي تغييره وبين التعامل مع الواقع من أجل الإذعان له والاستسلام لمشيئته، وأن نقيم توازناً دقيقاً بين الثابت والمتحول، أي بين الاستراتيجي والتكتيكي، وأن نمتلك الرؤية التي توفق بين الواقع والممكن والأساليب والغايات، رؤية لاتفرط أبداً، ولاتستهين بحق ولاتهادن في قضية إننا اليوم أحوج من أي وقت مضى للاستمرار في الرؤية المبدئية التي أرساها القائد الخالد حافظ الأسد وأعلى رايتها السيد الرئيس بشار الأسد، الرئيس المؤتمن على قضايا الأمة المصيرية، هذه الرؤية التي تمكننا من تجسيد طموحاتنا المشروعة مبدأ ومصلحة وكرامة بأدوات وأساليب تتناسب مع هذا الطموح.
وهذا يوجب علينا فضح وتعرية الأساليب المشوهة التي تسيء لهذه الرؤية، لقد كانت الرؤية العربية السورية للصراع العربي الصهيوني تنطلق من الرؤية المبدئية، وهذا ما أزعج الأعداء وحرم النوم من عيونهم، وبات شغلهم الشاغل هو الخلاص من قلعة المقاومة العربية وحامي المقاومة الأول السيد الرئيس بشار الأسد.