إلى طرابلس حيث أطلقا من هناك تصريحات تؤكد دعم المجلس عسكريا وسياسيا في معركته المستمرة للسيطرة على بقية أنحاء ليبيا.
وفي طرابلس سمع الرجلان من رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل ما أرادا سماعه، وان أظهرا تعففا مفتعلا، حيث قال عبد الجليل: انه حتى الآن لم تقدم أي عقود اقتصادية، وأن الاولوية في منحها ستكون للدول التي وقفت إلى جانب المعارضة الليبية ضد نظام القذافي.
وفي سياق رياء مكشوف، سخرت منه حتى الصحف الفرنسية، قال ساركوزي: ان المنفعة لم تكن دافعا ولم تكن لدى فرنسا اي حسابات بشأن ثروات ليبيا وراء المساعدة التي قدمتها.
وجاءت زيارة ساركوزي وكاميرون بعد يوم على زيارة مماثلة قام بها مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى جيفري فيلتمان، وذلك في اطار تهافت دولي لا تخفى غاياته شمل ايضا رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، وقد بدأ مبكرا، بينما لا تزال العديد من مناطق ليبيا تشهد اقتتالا، تشير كثير من المؤشرات إلى انه قد لا يحسم في وقت قريب .
وقد صرح فيلتمان في طرابلس بأن الولايات المتحدة تسعى إلى اقامة علاقات واسعة مع ليبيا على اساس المصالح المشتركة التي تشمل كما قال «علاقات التعاون الاقتصادي والتدريب والمساعدات للمجتمع المدني» من دون تحديد نوعية التدريب، مشددا على استعداد واشنطن لتلبية اي طلب يتقدم به الليبيون للمساعدة في مسائل الامن .
والواقع ان التنافس البريطاني - الفرنسي في افريقيا بوجه عام، وفي ليبيا بوجه خاص ليس خافيا على أحد، ومع بداية الحديث عن تدخل عسكري غربي في ليبيا، سارعت فرنسا إلى الاعتراض على محاولة ايطاليا احتلال الصدارة في عمليات الناتو ، قبل أن تواجه بدورها باعتراضات بريطانية، ولينتهي الأمر إلى تسليم القيادة لحلف الناتو بعد ان احتدمت المنافسة بين الدول الغربية التي تتطلع إلى مرحلة ما بعد القذافي بهدف الاستحواذ على أكبر ما يمكن من الاستثمارات في السوق الليبية وخاصة قطاع النفط.
وتسعى فرنسا للترويج أمام الشعب الليبي بأن تحركها السريع هو الذي أوقف مجزرة مزعومة كانت قوات القذافي على وشك ارتكابها في بنغازي. وجاءت دعوتها إلى عقد لقاء دولي حول ليبيا في باريس مطلع هذا الشهر، غداة دخول قوات المعارضة طرابلس، من أجل تحسين فرص فرنسا في سياق ما أسماه وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه استثماراً من أجل المستقبل . وقد أعربت بريطانيا عن انزعاجها من هذا الإعلان المفاجئ الذي لم يتم التشاور معها بشأنه.
ورغم أن فرنسا وبريطانيا قدمتا الجهد الأكبر في الحملة التي يقودها الحلف الأطلسي ضد نظام القذافي، إلا أن الخلافات بين البلدين عميقة بشأن مستقبل ليبيا وحصة كل منهما في مشاريع إعادة الإعمار التي تقدر عائداتها بمليارات الدولارات. وإذا كانت الولايات المتحدة تخلت، عن دورها القيادي في حملة الناتو العسكرية، فإنها لم تكن بعيدة عن تفاصيل المشهد الليبي، لأن العلاقات التاريخية والاستراتيجية التي تربطها مع بريطانيا تجعل من لندن حريصة على حماية المصالح الاميركية ، وهو ما بدا بوضوح خلال الحملة الأطلسية على ليبيا بقيادة فرنسا وبريطانيا، حيث نشبت خلافات بين البلدين بشأن تأسيس قيادة عسكرية عامة دائمة لدول الاتحاد الأوروبي. وبينما كانت فرنسا حريصة على تأسيس قوة أوروبية مشتركة مستقلة عن حلف الناتو، ما يعني ابعاد التأثير الاميركي، عارضت بريطانيا ذلك، واعتبرته خطاً أحمر يمس المصالح الاستراتيجية للمملكة المتحدة.
والواقع ان ليبيا تعيش اليوم أوضاعا مزرية تستلزم جهودا جبارة من أجل اعادة اعمار البلاد سياسيا واقتصاديا، حيث حولت الحرب عشرات المؤسسات إلى خراب نتيجة المعارك التي دارت ونتيجة قصف طائرات الناتو الذي يرى العديد من المراقبين أن بعضه لم يكن له مبررات عسكرية، بل كان هدفه التدمير الاقتصادي والعسكري، بهدف تعظيم فاتورة إعادة الاعمار التي ستتولاها كما هو واضح شركات غربية.
وقبل الوصول إلى مرحلة اعادة الاعمار، ثمة مخاطر عديدة ماثلة أمام العيون أولها الوضع الامني حيث لا يزال الاقتتال قائما بين قوات المجلس الانتقالي وقوات القذافي، اضافة إلى التناقضات داخل قوات المجلس نفسه والتي تجلت مظاهرها العنفية من خلال الاشتباكات العديدة التي وقعت حتى الان بين صفوف المقاتلين المنضوين تحت لوائه.
وتشير المعطيات إلى أن هناك مقاتلين متطوعين في صفوف قوات المجلس الانتقالي متعددو الولاءات والقيادات، وأن هناك خمسة أطراف موجودة الآن في ليبيا، وهي ليبراليو المجلس الانتقالي، وقبليو المجالس المحلية، وتحالف ثورة 17 فبراير، والإسلاميون بمختلف تياراتهم، وأخيرا رجال العهد السابق الموجودين بصورة أو أخرى.
اذاً، ليبيا تبدو اليوم مفتوحة على رياح كثيرة داخلية وخارجية، وتشكل ثرواتها وتناقضاتها الداخلية مصدر توتر وصراعات مختلفة، وهو ما يتطلب من مختلف القوى الوطنية الفاعلة فيها، تغليب لغة العقل والمصالح العليا للبلاد على كل اعتبار آخر.