سينما لم تعد افتراضية بعد مشاهدة هذا الفيلم المرهق نفسيا لمن يشاهده على التوازي من إرهاق البطلة التي تعيش حالة كآبة مستديمة من شقيقتها ورب عملها وقلة الأصدقاء..فكرة بسيطة وعميقة لكنها على الشاشة تحتاج إلى معادلات بصرية, فكيف قدم لنا المخرج خوسيه لويس توريس هذا الفيلم?
منذ البداية ألغى الموسيقا نهائيا من الفيلم.!
ثم قرر أن تكون اللقطات طويلة..بل طويلة جدا وكثيرة, بعضها تجاوز الدقيقة والنصف.!
ترك الكاميرا تتابع الشخصيات من الخلف في سيرها إلى عملها اليومي لعدة مرات وخلال بضع دقائق دون موسيقا, دون حركة كاميرا ذات معنى إضافي, دون إفادة من المحيط البيئي لتعميق الفكرة ..فكرة الكآبة طبعا. كل ذلك بهدف نقل الاحساس بالغم الذي تعيشه البطلة إلى الجمهور, وأن طريق البطلة في هذه الحياة طويل ومتكرر ويومي.
الإكثار من اللقطات الثابتة وعدم تحريك الكاميرا بهدف ترك المشاهد يغرق في كآبته وهو يتأمل الأشجار الساكنة.
الايقاع البطيء حتى الملل هو رسالة الفيلم غير المعلنة, فإذا كانت البطلة تعيش هذه الحالة فلابد من ان يقاسمها الجمهور الملل.
انعدام الاحداث ومحدودية السرد السينمائي البصري ضاعف من ثقل الايقاع البطيء.
الزمن الفعلي للفيلم مائة وعشر دقائق, الإحساس بالزمن داخل الصالة قد يتجاوز الأيام. الى حد كدت أتخيل نفسي عندما اخرج من هذا الفيلم أسير على عكازات.
للانصاف فإن المشاهد السوري اعتاد مشاهدة أفلام مميزة من التشيلي خلال دورات المهرجان السابقة, وهي سينما لها تميزها في أمريكا اللاتينية وعدد الحضور في بداية الفيلم كان كبيرا وكبيرا جدا لكن مع نهاية الفيلم لم يكن الحضور يتجاوز الخمسين شابا وفتاة.وأعتقد ان هذا الرقم كبير جدا بالنسبة لهذا الفيلم لكن عندما سألت البعض عن سر متابعة الحضور, بعضهم أجاب لقتل الوقت والنوم بانتظار الفيلم التالي لأن دار الأوبرا لا تحوي أي مكان للاستراحة.
وأكثر إجابة مميزة لفتتني هي عندما قالت فتاة في العشرينات من عمرها بأنها راهنت نفسها على اكمال متابعة الفيلم لتتأكد من ان حس البلادة داخلها لم يمت!
عنوان الفيلم يوضح تآمر كل ما يحيط بالبطلة عليها وانعدام إمكانية الخروج من دائرة الاحباط واللاجدوى ..السماء والأرض والمطر والأصدقاء وال.. كل ما في هذا العالم يفاقم الكآبة حتى هذا الفيلم.