تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الطربوش الأحمر

استراحة الأسبوع
الجمعة 7/11/2008
ياسر حمزة

انتشرت قبيل القرن التاسع عشر إبان فترة الحكم العثماني عادة وضع الطربوش الأحمر على رؤوس الرجال,وهو في الأصل ابتكار عربي لغطاء الرأس,إذ ظهر الطربوش الأحمر لأول مرة في منطقة المغرب العربي,وحلت محل العمامة والحطة والعقال,لكن كمال أتاتورك أصدر أمرا بمنع استعمال الطربوش الأحمر المعروف بقانون القيافة في عام 1926 لتحل محله القبعات الغربية.

وظل الطربوش مستخدماً في أقطار عربية لم يكن لذلك القانون مفعول فيها مثل مصر وبلاد الشام والمغرب العربي,وبقي عند كبار السن في سورية حتى أواخر الستينيات,ولا تزال صناعة الطرابيش موجودة في مكان نشأته القديمة في بلاد المغرب العربي وبالذات في تونس.‏

وينحصر استخدام الطربوش حالياً عند رجال الدين الذين يضعون العمامة البيضاء أو الملونة السادة أو المنقوشة حول الطربوش.‏

أنواع الطرابيش‏

والطرابيش نوعان,بعضها يصنع من الصوف المضغوط (اللباد) أو من الجوخ الملبس على قاعدة من القش او الخوص المحاك على شكل مخروط ناقص,وتتدلى من الطربوش الشرقي من جانبه الخلفي حزمة من الخيوط الحريرية السوداء تدعى (الشراشيب).‏

ولا يزال الطربوش موجودا في نطاق ضيق ويباع في المحلات التراثية حيث تستخدمه فرق الإنشاد والفرق الفلكلورية والمسلسلات الشامية التي نشطت إلى حد ما الاهتمام به وإنقاذه من الانقراض.‏

طربوش رجل مهم‏

كان الطربوش ضرورياً لاستكمال المظهر الرسمي عند الموظفين الحكوميين,إلى أن انتهى استخدامه بعد الاستقلال,وبقي في سيرة الذاكرة الشعبية والتراث.‏

فكان الطربوش يميز من يشغل وظيفة رسمية عالية,فرؤساء الوزارات والوزراء وكبار الموظفين أيا كانت اعتقاداتهم اعتمدوا الطربوش زياً وحرصوا على وضعه على رؤوسهم, فوضعه على رأسه مثلا شكري القوتلي وبشارة الخوري.‏

ولا يقتصر الطربوش على ذوي الوظائف الرسمية الكبيرة وحدهم, فالكثيرون كانوا يعتمرون الطرابيش للدلالة على الموقع الاجتماعي وللتعبير عن أهميتهم ومكانتهم الاجتماعية.‏

وكانت طرابيش المسؤولين داكنة قليلاً في الغالب ووازنة على الرأس لا تتحرك إلا بمقدار, والشراشيب فيها دائماً إلى الخلف.‏

وكان (مكتب عنبر) يمنح خريجيه (الطربوش) بالإضافة إلى الشهادة والمنصب,ولذلك فإن معظم الذين تخرجوا منه وأولئك الذين تقلدوا مناصب في دمشق وبيروت وطرابلس وعمان والقدس ونابلس كانوا يرتدون (الطرابيش).‏

دلالات وضع الطربوش‏

يشير تغير وضع الطربوش على الرأس إلى المزاج النفسي أو أهمية الطرف المقابل, وربما نوعية القضايا التي يجري بحثها, فالطربوش إذا كان مستقيماً وثابتاً له معنى يتوافق مع الاستقامة,وإذا كان مائلاً إلى الخلف فيدل على المزاج الرائق, ولايخلو من الرغبة في التوجيه أو السخرية.‏

ومثلما لوضعية الطربوش على الرأس دلالة,فإن نوع الطربوش يحدد الانتماء الجغرافي والمستوى الاجتماعي.. فطربوش نابلس يختلف عن طربوش الشام, الأول أكثر دكنة وأطول إضافة إلى أن نهايته أدق.. أما الطربوش الشامي فأقصر من حيث الارتفاع وأكثر توهجاً, إذ يبدو كالبطيخة الناضجة. كما أن موقعه قابل للتغيير وإعادة النظر مرات عديدة في اليوم الواحد تبعاً للخطة ونوع الحديث والشخص المقابل..‏

وقد لا يكون من المبالغة القول: إن الطرابيش الشامية تتكلم بفرح وان كلامها مفهوم اغلب الأحيان.‏

وما يلبس من ملابس مرافقة للطربوش يختلف تبعاً لوظيفة الشخص وموقعه الاجتماعي, فالموظف مهما كان موقعه لا بد أن يلبس السترة والبنطال, وهذا هو الزي الرسمي, أما الشيوخ فيلبسون الطربوش مع القفطان.. أما الملاّكون وأصحاب المصالح فإن الهامش أمامهم واسع: فالتجار الكبار حسموا أمرهم واختاروا الزي الإفرنجي- السترة والبنطال وبلون واحد.‏

أما من هم اقل منهم ثراء أو لايحركهم طموح كبير فإنهم لايأبهون لما بعد الطربوش,فكانوا يلبسون القمباز وكانوا يلبسون السترة والبنطال.. ولكنهم في كل الحالات يصرون على ارتداء الطربوش حتى البقال الصغير!! بعد أن يخلع ملابس الطلعة ويرتدي ملابس العمل في بقاليته يستبقي الطربوش على رأسه لأنه لا يقوى أن يكون عاري الرأس أمام الآخرين !! وأكثر من ذلك في أيام الصيف الحارة حين يكون التاجر في دكانه عاري الرأس فما أن يدخل عليه زائر أو زبون فإن أول ما يفعله هو أن يضع الطربوش على رأسه.‏

وكان لصاحب الدخل المحدود طربوش واحد, وللشخص الغني طرابيش كثيرة تتفاوت من حيث اللون والمقاييس وأوقات الاستعمال. ولذلك كانت صناعة الطرابيش مزدهرة ولها أربابها.‏

تعليقات الزوار

أيمن الدالاتي - الوطن العربي |  dalatione@hotmail.com | 08/11/2008 08:21

موضوع جميل نسجه الكاتب بأسلوب واضح ومتسلسل ومعبر, وفعلا طربوش الشام كان يدعو للفرح.

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية