فعلى الرغم من مرور ست وستين عاماً على اطلاق ميثاق الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو في حزيران 1945 والذي كان نقلة تاريخية في العلاقات الدولية ، فإن المنظمة الدولية لم تقترب بالقدر المطلوب من تحقيق أهداف تأسيسها وحتى يومنا هذا .
ووضعت الأسرة الدولية أهدافاً نبيلة لحفظ الأمن والسلم الدوليين ، وقمع أعمال العدوان وانماء العلاقات الودية بين الدول على أساس الاحترام المتبادل وحق تقرير المصير والوصول إلى تعاون دولي حقيقي في كافة المجالات على قاعدة المساواة ودون تمييز بين الشعوب ورفض الميثاق التدخل في الشؤون الداخلية للدول مع تعهد الأعضاء الالتزام بمقاصد الأمم المتحدة .
والمفارقة التاريخية التي رافقت الأمم المتحدة منذ تأسيسها أن الظروف التي أنتجتها هي نفسها الظروف التي أنشأت نظاماً دولياً عطل حركتها وكبلها بقيود وعجزت عن التقدم باتجاه أهدافها ، فالحرب العالمية الثانية وخسائرها الكبيرة أيقظت المجتمع الدولي إلى ضرورة الوقوف بحزم والتعهد بعدم تكرار مآسيها وعدم دفع ثمن أثقل كاهل العالم ، فكان اعلان قيام الأمم المتحدة والتي حرم ميثاقهاالعدوان والاحتلال وطالب بالانسحاب من الأراضي المحتلة عبر العدوان العسكري ، كما طالب دول العالم بحل نزاعاتهم بالطرق السلمية.
وبعد الحرب انقسم العالم إلى معسكرين غربي وشرقي ودافع كل معسكر عن مصالحه وتحالفاته وسياساته واضعاً الأمم المتحدة و ميثاقها جانباً. وهكذا عجزت الولايات المتحدة زمن الحرب الباردة عن الوقوف بحزم لإيقاف انزلاق بقاع كثيرة في العالم إلى حروب ذهب ضحيتها الآلاف ، وشكل «حق الفيتو» في مجلس الأمن سلاحاً في يد الدول الدائمة العضوية والتي استخدمته للدفاع عن مصالحها ومصالح حلفائها.
ومع انهيار الكتلة الشرقية وزوال دول العالم المتعددة الأقطاب بشكل سريع فاق كل التوقعات مع نهاية الثمانيات ومطلع التسعينيات من القرن العشرين انهارت أحلاف ومصالح وجدران وتغيرت سيايات واستراتيجيات ، وبعد فترة انتقالية ليست بطويلة كشف العالم الجديد عن وجهه وخابت آمال معظم الدول وانهارت توقعات بعضها ، فالعالم ومنظماته الدولية خرجت من قيود قديمة لتجد نفسها بقيود جديدة ذات مسميات جديدة أشد ضيقاً وضغطاً.
فالقيد الجديد صنع في الولايات المتحدة الأميركية وكتب عليه بأحرف فولاذية لا يمحوها الزمن ، إنه عصر القطب الأميركي الواحد الوحيد ، ولا خيار إما أن تكون معه أو ضده ، ولا تحاول اصلاحاً أو تعديلاً لمسيرة الاقتصاد والعلاقات الدولية إلا عبر بوابته وبموافقته وإلا فالإخفاق هو المصير المحتوم .
ومع أحداث أيلول 2001 في الولايات المتحدة انقلبت الطاولة الدولية رأساً على عقب وتدحرج كل من كان على سطحها وتغيرت المصطلحات والخطب السياسية، وحلت محل أولويات العالم ، أولويات أميركية أكثر قوة وأكبر تأثيراً ، ووضع كل شيء جانباً باستثناء ما يقوله قادة البيت الأبيض والبنتاغون وسفراء واشنطن في الخارج .
ومن حسن حظ الأسرة الدولية أن دعوات اصلاح الأمم المتحدة برزت بقوة الآن ،وبقيت بذلك الأمم المتحدة رغم ارتفاع أصوات للتخلي عنها باعتبارها لم تثبت مصداقيتها وقراراتها واعتبارها لم تتمكن من اعادة الثقة المفقودة بها ، فبالنسبة لمعظم دول العالم الـ191 العضو في المنظمة الدولية تبقى هذه المنظمة المنبر الرئيسي للتعبير عن رأي الدول وطرح وجهات نظرها والدفاع عن مصالحها ، في ظل غياب بديل أفضل يجب أن تبقى.
لكن مصير الإصلاح والمتأرجح بين الرفض النهائي ادخال دول جديدة إلى مجلس الأمن ، وفرض شروط تعجيزية عبر طرح مئات التعديلات على كل فقرة أو كلمة أو مصطلح في المقترحات المطروحة . والواضح أن الإصلاح ليس من أولويات الادارة الأميركية ، فالواقع في خدمتها وتركيبة المنظمات الدولية تخدم سياساتها ومصالحها.
ثانياً: موقف الدول الدائمة العضوية الأخرى وخاصة الصين وروسيا . فالصين لها ظروفها ومصالحها ، وتضع في أولوياتها منع تايوان من العضوية في الأمم المتحدة حفاظاً على وحدة الوطن الصيني كما تقول ومنعاً لأي خطوة باتجاه الانفصال.
أما بالنسبة لروسيا التي تقترب كثيراً من الصين وتسعى لتحالفات استراتيجية معها،فلاشك أنها ستراعي مصالحها وتوجهاتها ، وستؤيد أي خطوة باتجاه عالم أكثر توازناً ووضوحاً ومتعدداً في مراكز القرار كسراً للاحتكار الأميركي له.
ثالثاً : رأي البلدان النامية التي تشكل الدول الافريقية والعربية أكثريتها والتي لا غنى عنها في أي تعديل أو اصلاح ، والحق التاريخي والمشروع أن يكون للمجموعتين مقاعد دائمة في مجلس الأمن مع حق الفيتو وبما يساعد المنظمة الدولية في أداء مهامها وعملها .
رابعاً : الموقع الذي سيعطى للأمين العام للأمم المتحدة والدور الذي سيلعبه أثناء النقاش ومدى شمول مهامه بالإصلاح . والتجربة أثبتت أن الأمين العام يعتبر موظفاً أميركياً أكثر منه موظفاً دولياً ، وقرارات الكونغرس الأميركي سيف مسلط عليه يهدد عمله ومستقبله . . وربما تجربة الأمين العام السابق كوفي عنان هي الأكثرمرارة في منظمة تلفها الفضائح الجنسية والمالية بعدما كشف عنه في برنامج النفط مقابل الغذاء العراقي.
وهكذا يظهر واضحاً بأن المنظمة الدولية ودولها في واقع لا تحسد عليه ، وطموحات كثيرة ونيات اصلاحية قد تأخذ من الوقت والجهد والتكاليف المالية الكثيرة ولكنها تصبح في مهب الريح لحظة تختارها واشنطن بكلمة لا ..