من كردستان العراق إلى آخر ذرة تراب في منطقتنا تشهد الأحداث المأساوية على خطط أميركا واستخباراتها ومعها الاستخبارات الغربية بأن لا شغل لها إلا تفتيت المفتت وتجزئة المجزأ وتقسيم المقسم ليهنأ الكيان الإسرائيلي بأمن مستوطنيه.
ولم تكن أميركا يوماً تخجل من أجنداتها تلك بل كانت تتحدث بها علناً وترسم جهراً الخرائط الجديدة، وقد سبق أقطاب غزو العراق من محافظي واشنطن الجدد من أصحاب الرؤوس الحامية الجميع إلى الإعلان عن تلك الأجندات منذ ساعة احتلالهم لبغداد، وخطط جو بايدن وغيره من المحافظين الجدد ليست ببعيدة عنا والتي تحدثت علناً عن ضرورة تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم على أسس طائفية وعرقية.
وكما بات واضحاً اليوم وبعد أن شارفت ورقة تنظيم داعش المتطرف على الانتهاء وبعد أن استثمرتها أميركا جيداً في نشر الفوضى الهدامة والخراب وتعميم الإرهاب في طول المنطقة وعرضها فإن أميركا تتجه إلى لعبة فوضوية جديدة تحت مسميات الاستفتاء في كردستان العراق وترى أن الظروف والمناخات باتت ملائمة للضربة الكبرى التي تقضي بتفتيت المنطقة برمتها وضمان أمن الكيان الإسرائيلي.
في سنة من سنوات الحرب الإرهابية على سورية بق كيري بحصته وقال (ربما يكون من الصعب إبقاء سورية موحدة إذا لم تتوقف الحرب قريباً) ومن كلامه يبدو واضحاً أن مشاريع التقسيم لا تتوقف عند حدود دولة بنظر أميركا بل تطال المنطقة برمتها، وكان المسؤولون الأميركيون على الدوام يساهمون في ترسيخ التنظيمات المتطرفة وتمددها ليصلوا إلى هذه النتيجة في تفشي الإرهاب ومخاطره ليسهل عليهم رسم خرائط المنطقة انطلاقاً من سورية والعراق وإعداد لوحات جديدة تخدم مشاريعهم الاستعمارية.
وقبل كل هذه التصريحات العدوانية كانت مشاريع جو بايدن ومخططات بريمر وجونز وغيرها لتقسيم المنطقة وتفتيتها على أسس عرقية ودينية ومذهبية الحلقة المفضوحة في المشروع الاستعماري الأميركي الذي يتقاطع مع المخطط الصهيوني، ومن يظن أنها وليدة اليوم فهو مخطئ فالخراب والفوضى والدمار والحروب والتقسيم هي العناوين الكبرى لأميركا في منطقتنا اليوم وبالأمس وغداً وقد خطتها أقلام أجهزة السي آي إيه والموساد منذ عقود.
وهاهي الأحداث التي جرت في ليبيا وسورية والعراق واليمن تؤكد هذه الحقائق، وإذا كان أحد مازال يظن أن أميركا والغرب بعيدون عما جرى ويجري في منطقتنا فإن مذكرات هيلاري كلينتون التي صدرت منذ عامين كشفت المستور وفضحت كل الأوراق التي حاول البعض إخفاءها ولاسيما حديثها عن دور بلادها الذي اضطلعت عليه حين كانت وزيرة للخارجية والذي تركز على إقامة دويلات متطرفة في سيناء وليبيا والسودان خلال أحداث ما سمي بالربيع العربي، وكذلك اختراع تنظيم داعش المتطرف ورعايته ومده بأسباب البقاء.
بقي أن نقول إن الخطط الأميركية المذكورة قصيرة النظر وتجهل بحقائق التاريخ والجغرافيا لدرجة ارتدادها سلباً على المصالح الأميركية عبر عودة الإرهابيين إلى أميركا وأوروبا وعبر الخسائر الاقتصادية الهائلة التي تكبدتها الخزانة الأميركية والدول الحليفة لها في أوروبا والمنطقة ما يؤكد أن هذه المخططات تبين أنه ليس لدى واشنطن استراتيجية مدروسة في هذه المنطقة بل وجهلها حتى بطريقة الحفاظ على مصالحها.
واليوم تتجه أميركا إلى اختراع أزمات جديدة تمهد لرسم خرائط تقسيمية هدامة مستنسخة من مخططاتها بالفوضى الهدامة التي أطلقت عليها يوماً الفوضى الخلاقة وخصوصاً بعد أن ظهر للعالم أن فزاعة داعش المتطرف التي اخترعتها واشنطن بدأت بالأفول فخرجت مشكلة استفتاء إقليم كردستان للانفصال عن العراق وكأنها تشير بأصابع الاتهام إلى أميركا قبل غيرها والمفارقة المثيرة للسخرية أن أميركا حاولت أن تضلل العالم بحديثها العلني عن رفضها لاستفتاء كردستان العراق في الوقت الذي كانت تبارك هذه الخطوة من تحت الطاولة وربما من فوقها كما ستظهر الأيام القادمة وتسريباتها.