انطلاقاً من قناعات أميركية راسخة بأن للعالم مصلحة جلية في انتشار القيم الديمقراطية من جهة, ولأن الأمم الحرة والمستقرة لا تغذي ايديولوجيات القتل خلاصة القول: إن هذا الالتزام ليس التزاماً عسكرياً بالدرجة الأولى ,لكنه يتطلب إشراك جميع أوجه قوتنا الوطنية وغير ذلك..
بداية نريد أن نقنع أنفسنا ونصدق أن الولايات المتحدة ليست (قوة امبريالية) ولا تمارس أدوار الامبراطوريات الاستعمارية في التاريخ, كما نريد أن نجاري الانكار المتواصل الذي تبديه الإدارة الأميركية لإخفاء وجهها الامبراطوري, ولم تفلح رغم كل حملاتها الإعلامية والأموال التي تدفعها لتلميع صورتها وتحسينها في نظر شعوب المنطقة بواسطة محطات ووسائل إعلامية أو عبر مراكز أبحاث وكتاب تغدق عليهم الوفير أن تزيل حالة الكراهية المترسخة في أعماق ثقافة الشعوب وتجاربها ومعاناتها واستبدالها بحالة التعاطف أو التفهم لسياساتها
ليست الديمقراطية إذاً أولوية ترى أميركا مصالحها وترسم سياساتها وتحدد علاقاتها بدلالتها, وهي لن تكون أولوية أميركية في المستقبل المنظور لأنها تهدد بتقويض سيطرتها الدولية, وبفتح الباب أمام نظام عالمي جديد يعبر عن حاجات الإنسانية ومصالحها هو نقيض نظامها الراهن, فهي تقاوم قيامه وتعمل لتدمير ما قد ينشأ في الواقع الدولي من ركائزه لأسباب تتعلق بنمط وجودها الذي يدفعها إلى رفض الاعتراف بالآخر وبحقه في أن يخرج من دائرة مصالحها أو سيطرتها وفي أن يكون حر الإدارة ما دامت الإرادة الحرة منبع استقلاله وحاضنة مصالحه ومواقفه التي تعرف أنها لن تكون إلا مناقضة لمصالحها ومواقفها, أميركا ترى العالم بدلالتها الذاتية وتعتبر نفسها دولته الشرعية والوحيدة, فمن حقها تقرير أموره نيابة عنه, ومن واجبه أن يقبل ما تقرره له بينما تأتي الديمقراطية بالآخر إلى السياسة ولاتخرجه منها, وتنطلق من اختياراته ولا تلغيها وتمنحه الفرصة لتقرير شؤونه فلا يقررها أحد غيره في غيابه وهي اليوم أكثر من أي وقت مضى وليدة إرادة البشر الحرة وتفتحهم العقلي واستقلالهم المادي والروحي , وليست ورقة سياسية أو تكتيكية تستخدم ضد إرادة الآخرين الحرة وتفتحهم العقلي واستقلالهم المادي والروحي.
لا تريد أميركا الديمقراطية, بل تريد ديمقراطيتها التي تغير جوهرياً الأمر القائم العربي أو تعيد طرح القضايا التي سبقت لها أن خاضت والصهيونية حروباً كي تخمد نارها, كالوحدة العربية وتحرير فلسطين ومصير الثروة العربية, وحرية واستقلال الوطن العربي وعدالة وتقدم أوضاعه وديمقراطية نظمه ومجتمعاته.. لقد تخلصت أميركا بشق الأنفس من الطور الذي تصدى لهذه القضايا ولن تقبل بتجدده حباً بأية ديمقراطية خاصة وأنه سيورطها في معركة صعبة ضد عرب تعلموا الدرس.
ماذا تريد أميركا? استخدام الديمقراطية كأداة تقوض بها جوانب من الواقع العربي, وعصا تروض بها من تريد ترويضهم وطعم تود أن تصطاد به من تود اصطيادهم ووسيلة تدير بها الأزمة العربية, وتنضج بها شروطاً جديدة لعجزنا تضاف إلى الشروط الراهنة التي كان لها اليد الطولى في قيامها.
إن ما يحدث في العالم الآن يدع المفكرين يتساءلون: هل هذه هي الديمقراطية التي تريد إدارة بوش أن تسوقها لها? أم هي ديكتاتورية لها غطاء ديمقراطي تكمن وراءه مصالح شخصية واستعمارية.?!.