و لم يكن أحد يتوقع أن تحدد إدارة الرئيس بوش خيارها على بول وولفويتز -صقر المحافظين الجدد المتشددين ,الذين يعتبرون الفيلسو ف ليو شتراوس, مرجعهم الروحي ,إذ تتعارض إيديولوجيته مع البراغماتية الميكيافيلية,ويريد إعادة الأخلاق إلى السياسة- الذي دفع الرئيس جورج بوش إلى إعلان الحرب على العراق ,أي باختصار شديد الرجل المعروف عنه أنه متخصص في الاستراتيجية العسكرية أكثر منه خبير في قضايا التنمية في العالم الثالث.
ومن المعروف أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يشكلان أهم المؤسسات المسماة على اسم (بروتون وودس) . ومن جهة أخرى فإن تسمية (البنك الدولي) غير دقيقة, فالاسم الرسمي هو (المجموعة الدولية للمصارف) وهي تضم البنك الدولي لإعادة الإعمار والتنمية, والجمعية الدولية للتنمية والشركة المالية الدولية والوكالة المتعددة الطرف لضمان الاستثمارات والمركز الدولي لإدارة النزاعات المتعلقة بالاستثمارات.
ويمارس البنك الدولي نفوذا هائلا في الكرة الأرضية, ويبسط نشاطاً انسانياً ومتعدد الأشكال. وهو اليوم وحده يمنح الاعتمادات للدول الأكثر فقراً.
بيد أن الفضيحة التي هزت عرش رئيس البنك الدولي بول وولفويتز أقوى رجال إدارة جورج بوش جاءت هذه المرة على يد امرأة تدعى شاها رضا , أمريكية من أصل تونسي في الخمسينيات من عمرها, وتعمل مسؤولة العلاقات العامة بقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالبنك الدولي, إذ كشفت لجنة المحاسبة داخل البنك قيام وولفويتز الذي يقيم معها علاقة عاطفية بترقيتها وإعطائها راتبا يفوق راتب وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس.
وكانت صحيفة واشنطن بوست أول من كشف فضيحة شاها وولفويتز حيث نشرت منذ أيام تقريرا ذكرت فيه أن شاها رضا التي تركت عملها حين تسلم وولفويتز رئاسة البنك بدعوى عدم تضارب المصالح.لكنها بقيت على جدول الرواتب وزيد معاشها من دون عمل, ومن دون استشارة (لجنة أخلاقيات المهنة) في البنك الدولي ولا مجلس الإدارة,إذحصلت على زيادات في الراتب بلغت 61 ألف دولار, ما رفع أجرها السنوي إلى أكثر من 193.590 ألف دولار, أي أكثر مما تحصل عليه وزيرة الخارجية كوندليزا رايس نفسها والذي يبلغ 186 ألف دولار قبل خصم الضرائب منه. وأثارت تلك الفضيحة مطالبات بإقالة وولفويتز الذي تعهد عند تقلده منصبه بمحاربة الفساد الإداري فى المؤسسة التي تقرض أكثر من 150 دولة لدعم مشروعات التنمية ومكافحة الفقر.
على الرغم من رئاسته للبنك الدولي منذ سنتين , لم يحصل بول وولفويتزعلى سمعةجيدة.فهو متهم بأنه محاط من قبل شخصيات قريبة منه إيديولوجيا وثقافيا, و لكنها آتية من خارج البنك الدولي.
إن مطلب مكافحة الفساد يرتد ضد بول وولفويتز , بسبب فضيحة الفساد الإداري المرتبطة برئيس البنك الدولي وصديقته , و التي انتهت عند إعلان وولفويتز, بنهاية الاجتماعات الفصلية للبنك الدولي, ورفضه الاستقالة وذلك بعد عدة أيام قام خلالها بجهود في كواليس البنك الدولي لدعم موقفه.
وقد تظاهر أمام المقر الرئيسي للبنك عشرات الناشطين في العديد من المنظمات الحقوقية مطالبين باستقالته, فيما لوحظ تصاعد الغضب والتوتر لدى نسبة كبيرة من العاملين في البنك الدولي تجاه اعتزام وولفويتز البقا ء في منصبه. بعضهم تحدث بغضب عن المفارقة الصارخة حين يحاول البنك الدولي تنفيذ مشاريعه المتعلقة بمكافحة الفساد في الدول الفقيرة والنامية, بينما رئيسه متورط في فضيحة فساد, والتي ستظل بارزة في تاريخ المؤسسة المالية وللأبد.
بول وولفويتز صقر المحافظين الجدد و القادم من البنتاغون إلى البنك الدولي لقيادة (مسيرة التنمية) في العالم الثالث , بإصرار من الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش على الرغم من اعتراض الكثير من الدول الحليفة للولايات المتحدة في العام 2005 على تبوئه هذا المنصب, يعاني الآن من عزلة خانقة , باستثناء الرئيس بوش الذي يؤازره, و يحوز على )ثقته(,ويدعمه من جديد , على الرغم من الفضيحة التي ترقى إلى أكثر من السرقة الموصوفة.
كاتب تونسي