تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


موجة تتبعها موجة

ملحق ثقافي
19/5/2009م
قصة: ضياء قصبجي

أعباء و أشياء ترهق النفس مثلما يرهقها الظنّ و الكبرياء .. تغدو النفس شجرة تحمل ثمارها فتثقل الثمار عليها تحاول أن تلقي كل ما تحمله في لحظة غضب

فتسقط أوراقها و تعود مثل شجرة يابسة كأنها لم تكن يومـــاً ظلاّ لأحد ولم تكن يوماً ترتوي من ماء النهر بل تشرب القهر من نهر العذاب .‏

0000000000000000‏

ابتعد عن البلد والعائلة وضع همومه و أشياءه في سلّة حملها معه ثم ألقى نظـرة وداع لبيته وخرج ، احتلَّ مقعداً في القطار الحديث وعلى وقع عجلات القطار كان يقول في نفسه : ّّّّّّّ‏

أمور كثيرة تتعب قلبي الواهن , سأجد حلا لها في ابتعادي عن كلّ ما يزعجني .‏

وصل اللاذقية تلك المدينة المتكئة على كتف البحر ، والتي يرمي أهلها همومهم في بحرها الجميل فتذوب فيه وتضمحل ... أخذ نفساً عميقاً.‏

في المساء راح يسير موازياً للبحر ويقول في نفسه :‏

نفسي مثل حبيبات الرمل الممتدة على شاطئ البحر الأبيض .. أنظر إلى الموجـــات العنيفة أحسّ بها تتجه نحوي كأنها تريد أن تغرقني ، أنظر إلى النجمات العالية كأنها تسخر مني .. أواصل السير ، لا بد من أن أجد حلاً بالأحرى حلولاً لكل ما يعترض حياتي ويعذبني .‏

في العمل يكيد لي زملائي رغم محبتي لهم ، يعنّفني رئيسي بسبب أخطاء غيري ، تتنكّر لي زميلتي التي أدافع عنها في مواقف كثيرة .‏

في البيت تهملني زوجتي التي ما أحببت غيرها ، تأخذ الجوّال لتتحدث في غرفة بعيدة كي لا أسمع كلمة مما تقول ، تعود مورّدة الوجنتين سعيدة كثيرة الشرود .‏

أولادي الذين أفديهم بروحي والذين صرفت على دراستهم حتى تخرّجوا من الجامعة ، علّمتهم على الحاسوب ،دفعت لأساتذة اللغة الانكليزية ، أصبح لكل واحد منهم عالمه الخاص بل أصبحوا يتعالون عليّ. ‏

مرّة ضحك ابني ساخراً مني لأنني لا أعرف أن أكتب رسالة على الحاسوب .. و لا أعرف أن أستعمــــل (الكوكول ) . . ابنتي الحسناء بعد أن تخرجت دكتورة وأصبح لها عيادة ، لا تريدني أن آتي إلى عيادتها مساء لأتسلّى وأساعدها بدخول الزبائن بالدور .‏

تلك ( السيرالانكية ) التي أدفع لها الكثير لتريحنا ، لا تصغي لما أطلبه منها ، في حين أنها رهن إشارة زوجتي .‏

يسأل نفسه وهو يسير على شاطئ البحر :‏

لأنني كبرت ؟؟! لكنني لم أزل في الستين من عمري ترى كيف أعاود احترام الجميع لي ..؟ ماذا أعمل ..؟ تلطمني موجة تلو موجة بصوت و زبد و وعنفوان .‏

الرمل الناعم يترك آثار قدمي و أنا أتـجه إلى الأمام ، مثلما الموجات تمحو آثار قـــدمي سأمحو كل ما يعذبني .‏

أخرج جوّاله وهتف لزوجته يقول لها :‏

(( البحر أمامي بأمواجه المعربدة من هنا أعلمك أنني سأنام الليلة في فندق يظهر البحــر من نافذته .. غدا أو بعد غد سأبحر على متن سفينة تأخذني إلى عالم بعيد .. لا تتصلـوا بي بعد انتهائي من الحديث معك سألقي جوّالي إلى الموجات .. لقـد أتعبتموني ..‏

ربما إذا ارتحت بعد زمن أعود إليكم ولكن قد لا أعود .. قد أتزوّج من غيرك ولكن قد لا أتزوج ،قد أنجب أولاداً و قد لا أنجب ..قد تصلك ورقة الطلاق وقد لا تصل. المهــــم سأبتدئ حياة جديدة و أرتاح نفسيّا.‏

لعلمكِ لقد سحبت رصيدي من البنك وأخذته لأتمكَّن من العيش بكرامة وعزّة نفس فقدتها في مدينتي التي أحبها لكنها تكرهني .. اعتمدي على نفسك ابحثي عن عمل تصرفين منــه على الأولاد والجوال والسيرالانكية ، دعي الأولاد يبحثوا عن عمل .‏

غداً قدمي لي استقالتي من عملي ، وتكلمي بجوالك كما يحلو لك ، اعذريني على كلماتي هذه إنها غير منسقة الأفكار لأنني كثير الاضطراب والحزن.‏

وداعاً سلمي لي على الأولاد‏

ألقى جواله في مياه البحر ، ضربته موجة عنيفة تلتها موجة ، تنهّد أخذ نفساً عميقاً ممزوجاً برذاذ الماء ، أحسّ بالارتياح ، كأنَّه رمى عبئاً ثقيلاً كان يحمله ، بخطى واثقة اتجــــه إلى الفندق .. في الفندق سأل موظف الاستعلامات عن موعد إبحار السفينة إلى مدينة بعيدة خالية من الجوّال والحاسوب ومن كل من كان يضغط عليه ويعذبه .‏

دخل غرفته في الفندق ، فتح النافذة ، وصله صوت الموج رأى موجاته تتدافع بثورة وعجل‏

ألقى نظرة إلى سعة البحر و طغيانه ، استلقى على سريره ، و نام نوماً عميقاً .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية