وهذا طبعاً من ضمن مشاريع الوزارات، إذ ليس الهدف الربح المادي، بل نشر الثقافة والتنوير. ولقد انفردت وزارة الثقافة في بلدنا، بإصدار عناوين كثيرة، على مدى زمن طويل، ظهرت من خلالها إحدى أبرز المؤسسات العربية، ونموذجاً مميزاً لدعم الكتاب والكاتب العربي. ثم، وزيادة على دعم القارئ، ورغم الأسعار المخفضة للكتب، قامت الوزارة بإقامة معارض لكتبها في المراكز الثقافية في كل أنحاء القطر، وأجرت تخفيضاً آخر على سعر الكتب. وهكذا تكون وزارة الثقافة هي الجهة الأولى الداعمة للكتاب والمروجة له بالشكل الأوسع بلا منازع.
ومع الجهد الذي تقوم به الوزارة، إلا أن الكتاب ما يزال يحتاج إلى دعم، ودعم كبير ومضاعف عدة مرات، وهذا ما يجعل وجوب قيام المؤسسات الأخرى بلعب دور رئيسي وفاعل في نشر الكتاب ودعمه. ولكن، وحتى مع وجود دعم المؤسسات الحكومية، يبقى الكتاب بحاجة إلى رعاية من القطاع الخاص، الممثل بالشركات الاقتصادية، حيث من النادر أن نسمع أن جهة اقتصادية ما خاصة، قامت بدعم كتاب أو مشروع ثقافي، وتلك حالة موجودة في معظم دول العالم، حتى إنها أصبحت عرفاً وتقليداً متبعاً، وربما واجباً على رجال الأعمال القيام به.
هذا الأمر يقوي سوق الكتاب، ويدعم سوق الثقافة، الذي يعتبر تقوية لنشاط حياتي فاعل لا يمكن الاستغناء عنه.
بعد تفشي الأزمة المالية في العالم، تقلص الدعم الثقافي كثيراً، من قبل الجهات الاقتصادية في الدول المتقدمة والنامية على السواء، عندها سارع المثقفون والناشرون إلى المطالبة بالدعم، الذي من دونه ستدفع دور النشر والكتاب إلى التخلي عن هذه المهنة مرغمين. وفي المقابل، خفضت دور النشر الكبيرة إصداراتها، وقللت تيراج النسخ المطبوعة، وأجّلت إبرام عقود كانت على اتفاق مبدئي مع أصحابها.
بالنسبة إلينا، ومع غياب الدعم الاقتصادي الخاص للكتاب، وفي ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية، من الضروري أن يتوجه القطاع الخاص الاقتصادي إلى تصعيد اهتمامه بالثقافة عموماً وبالكتاب خصوصاً، لأن غياب الثقافة ينعكس سلباً على كل القطاعات الأخرى، ويخفي الدور الحضاري الذي تلعبه الثقافة في حياة أي بلد. ومن دون هذا الدعم، سيبدأ الانحدار، الذي ستكون نتائجه خطيرة، وربما أخطر مما نتصور.