وهو «موت النصّ» الذي كان عنوان مساهمةٍ للدكتور حسام الخطيب في أحد مؤتمرات النقد الأدبي في جامعة اليرموك بالأردن، أواخر عقد التسعينات من القرن الماضي، وفحوى ذلك أن الكمبيوتر المبرمج بطريقة معيّنة، صار قادراً على إنتاج أي نصّ بما في ذلك النص الأدبي، بمجرّد تلقيمه بكمية مناسبة من المعطيات الأولية، والخطّة العامّة. وأيّة بلغت رصانة الاعتراضات على نصوص تنتجها الآلة، وخصوصاً ما تعلّق بنفي الفرادة، بوصفها شرطاً لأدبية الأدب، وما تعلّق أيضاً بنفي انبثاث الروح الإنسانية في ثنايا النصّ، فمن غير الممكن تجاهل هذا الواقع الجديد، الذي يشهد إنتاج نصوص )أدبية( بواسطة الكمبيوتر، يفاقم مأزق وجودها، ومأزق رميها بنقص الصفة الأدبية فيها، أو بافتقارها الكلّي إلى هذه الصفة، ما يتخم المشهد الأدبي الراهن من نصوص مصابة بآفة التشابه، أسلوباً وأفكاراً، فكأنها إنتاج آلة واحدة، تكرّر نسخ المادّة الواحدة، مع تنويعات طفيفة، عاجزة عن بثّ الفرادة في النص الواحد، وعاجزة عن جعله يكتسب كينونته الخاصّة التي يمكن أن – أو يُفترض أن – تؤهّله لاجتياز عتبتي الزمان والمكان.
من الواضح أن فكرة إنتاج نص أدبي بواسطة الآلة فكرة مثيرة على غير صعيد، سواء أكانت قابلة للتحقّق بصورة مقنعة فنّياً، أم بقيت مجرّد فكرة. وهي في الحالتين تشكل مادّة مغوية لمختلف أشكال التخييل، حتى خارج إطار رواية الخيال العلمي، فقد نشرت مجلة الآداب الأجنبية في العدد الثالث من سنتها الأولى قصة للكاتب الأمريكي كورت فوينهوت، عنوانها (حب أبيكاك وموته) و(أبيكاك) اسم جهاز الكمبيوتر الذي أنتج لعالم الرياضيات المشتغل عليه قصائدَ حبّ ملتهبة، أرسلها العالم لامرأة يحبّها، بعد أن عجز عن قول عبارات منتشية بالعاطفة ومشاعر الإنسان، عبارات متحرّرة من منطق الرياضيات ومعادلاتها الصارمة، فكتب الجهاز ما عجز عنه الإنسان، وأدّت القصائد إلى الفوز بقلب المرأة، وفي إحدى المرات نسي العالم جهازه مشتغلاً بكتابة قصائد استنفدت طاقته على الإنتاج، فانفجر، وكان الحب الذي جرت وقائعه على صفحات القصائد هو الحبّ الذي ملأ مشاعر الجهاز، وكان الانتحار حبّاً انتحار الجهاز.
لا أسوق هذه القصة على أساس أنها الأقدم بين النصوص التخييلية المستفيدة من التقنية الجديدة لبناء التخييل السردي، إذ سرد ميخائيل الصقال (الحلبي) منذ أوائل القرن العشرين، في روايته (لطائف السمر بين سكان الزهرة والقمر) قصة آلات يتحدّث إليها الإنسان فتحوّل ما يتلفّظ به إلى كلام مكتوب، بل أسوق ذلك في إطار نموّ ظاهرة استثمار منجزات الكمبيوتر لمصلحة التخييل السردي، بشقّيه المكتوب/المقروء، والسمعي/البصري، فقد طرحت السينما الأمريكية فلماً عنوانه (سيمون) سرعان ما تلقّفته الفضائيات الخليجية، وسيمون في الفلم ممثّلة أنتجها مخرج مغمور، بواسطة الكمبيوتر جملة وتفصيلاً، وبعد أن تقوم ببطولة عدد من الأفلام (الناجحة) وتحصد إعجاب الملايين، وتتبارى القنوات التلفزيونية للفوز بمقابلة معها، يقرر المخرج الانتهاء منها، فيبدّدها بإغلاق البرنامج الذي أنتجها بواسطته، وبدلاً من أن تعود الأمور إلى سابق عهدها، يُعتقل المخرج بوصفه قاتلاً للممثّلة التي أسرت قلوب الملايين، ولا ينتهي المأزق إلا عندما يتمكّن أحد أولاد المخرج إعادتها إلى حياتها الألكترونية من جديد، وإمعاناً في الذهاب باللعبة التخييلية إلى حدودها القصوى، يقرر المخرج الزواج من سيمون، وينجب الزوجان أطفالاً، يحار المتفرّج في نسبتهم إلى أمّهم الإنسية الزوجة الفعلية، لا الافتراضية، للمخرج، أو نسبتهم إلى أمّهم الألكترونية، صُنعوا مثلما صُنعت من خلايا ضوئية ملوّنة، ويمارسون حياة (افتراضية أيضاً) يسوقها مسارها الطبيعي إلى التكاثر لتشكيل قبيلة افتراضية، وربما دولة، أو دول عدّة، بالتوازي مع العالم الفعلي الذي لا بدّ له من أن يصبح عالماً ضحلاً، وباهتاً، قياساً إلى التألّق في الحياة المكوّنة من أضواء تحت الأضواء.
ويبلغ تشعّب العوالم الافتراضية حدوداً متطرّفة باتّجاه استثمارها جماليّاً ودلاليّاً، في ثلاثيّة دملان للكاتب اليمني (البروفيسور) في البرمجيات والأجهزة الحاسوبية حبيب عبد الرب سروري، إذ نعثر في الرواية على دول افتراضية، وعلى نسوة افتراضيات، وعلى موسيقا افتراضية، وسرود افتراضية، شغلت مساحة رئيسية من المادّة الدرسية التي أنجزها نبيل سليمان عن هذه الثلاثية في (شهرزاد المعاصرة).
يمكن عدّ ذلك كلّه تنويعات سردية في سياق استثمار التقنيات المتطورة لأجهزة الكمبيوتر، وخصوصاً ما تعلّق بالطبيعة الإيهامية المشتركة بين الفن من جانب، ومختلف العوالم الافتراضية التي يمكن إنتاجها بواسطة الأجهزة الحاسوبية الحديثة التي تتمتّع بشراهة مذهلة لالتقام أحدث البرامج التي يتبارى في إنتاجها، وإنتاج الأحدث فالأحدث، عباقرة المراكز العلمية والبحثية على مستوى العالم. وإذا لم يكن أمام (العبقريات العربية) من سبيل إلى المساهمة في إنتاج مثل هذه البرامج، أو إنتاج الأجهزة، بسبب ما أدمنته المنطقة العربية من تخلّف مريع في مجال البحث العلمي، ومختلف المجالات الأخرى أيضاً، فما الذي يمنع الفنانين، بمن فيهم كتّاب الرواية، من البحث الافتراضي في عوالم افتراضية يصنعها الخيال؟ مدفوعين إلى ذلك بغواية يصعب دفعها، غواية الولوغ بعيداً في عمليّة التخييل، أو مضاعفة المسافة التخييلية بين المنتَج الفنّي، ومختلف مرجعيّاته (الواقعية، والنصيّة والتخييلية..) عبر تأسيس المتخَيَّل السردي على مُتَخَيّل آخر مؤسّس بدوره على مُتَخَيّل سابق له، في سلسلة متراكبة من العوالم التخييلية التي يبدو أنها مضت بخيري الذهبي إلى جعله يتجاوز المدن اليوتوبية المتخيّلة في «فخّ الأسماء» إلى كتابة سيرة ذاتية افتراضية، لشخصية ليست افتراضية، بواسطة جهاز الكمبيوتر في «رقصة البهلوان الأخيرة».
لم يقتصر التخييل في «رقصة البهلوان الأخيرة» على السيرة الذاتية التي كتبها جهاز الكمبيوتر لـ «راضي» الشخصية المحورية في الرواية، بل مضت سيرورة التخييل في خطّين متوازيين يتقاسمان المساحة النصّية بشيء من التساوي، ويختلفان في مضاعفة درجة الإقصاء التخييلي عن إمكانية التحقّق الواقعي، وفي طبيعة المنحى الزمني الذي يستغرق كلاًّ من الخطّين: الخطّ الأول هو خط الواقع الراهن الذي يسرد حكاية مسؤول كبير يُستغنى عنه، فيلزم بيته، أو يتجوّل في المدينة ضمن مساحة محسوبة، منتظراً رنين الهاتف الذي يمكن أن يعيده إلى مسؤوليته وأهميته السابقتين داخل تراتبية النظام، لكن الهاتف لا يرنّ، وبدلاً من الوقوع فريسة لانتظار ما لا يأتي، على طريقة الكولونيل في رواية ماركيز «ليس لدى الكولونيل من يكاتبه» يقترح عليه صديقه الجنرال المتقاعد أن يكتب سيرته الذاتية مثلما فعل، ولأنه لا يتقن فنّ الكتابة يقترح عليه اللجوء إلى (شركة الإنشاء والترميم) التي يمكن أن تكتب له سيرته بواسطة الأجهزة الحاسوبية المتطوّرة التي لديها، بمجرّد أن يسلّم الشركة بعض المفاتيح الأوّلية والخطوط العريضة، وبعد تردّد، يقرّر خوض التجربة مضمراً تضليل الشركة وأجهزتها بواسطة تقديم معلومات مبهمة وغير حقيقية.
ويتشكّل الخيط الثاني الموازي من السيرة التي تكتبها الشركة جاعلةً فاتحتها زمناً ماضياً مبهماً تسوده المجاعات المرعبة التي اجتاحت مدن المشرق العربي بما في ذلك دمشق، إذ أدّت المجاعة إلى أن يفقد الإنسان كلّ ما كان ظاهراً من إنسانيته، فتبيع المرأة نفسها، وتترك أولادها للموت جوعاً وهلعاً مقابل قضمة خبز. لقد تأسّس هذا الخيط التخييلي الذي أنجزته أجهزة الشركة، على خطّ تخييلي سابق هو خطّ الراغبين بتدوين سيرهم الذاتية، بعد أن يتمّ وضعهم على رفوف الحياة الهامشية، في مواجهة الفراغ والذات والعالم، على حدّ سواء.
تحدّثت الرواية عن اتّساع ظاهرة تدوين السيرة الذاتية، وإلى ازدياد أعداد الراغبين بفعل ذلك، حتى لو لم يكن الواحد منهم قد اجترح شيئاً ذا قيمة قابلة للإدراج تحت مسمّى أية فضيلة، إلا إذا عُدّ تسنّم منصب ما فضيلة. من غير أن يغيب عن الذهن أن شاغل المنصب الراغب بتدوين السيرة كان قد استغل منصبه لممارسة ما اقتضاه وجوده في المنصب من نذالة وخسّة وممارسة حدود متطرّفة من الأذى النازل بالبشر والمصلحة العامّة، مع ندرة حدوث العكس. واللافت في هذه الجزئيّة من الرواية هو قوّة الارتباط بين وجودها التخييلي في النص، ومرجعية الواقع المزدحم فعلاً بأعداد متزايدة من الراغبين بتدوين سيرهم الذاتية، بوصف ذلك سبيلاً مزعوماً لتخليدهم، أو تخليد عبورهم في الحياة، وسبيلاً لغسل أنفسهم، وتاريخهم الشخصيّ مما علق به من تشوّهات، وأدران، وقذارات، راكمتها الحياة، أو راكمتها ممارساتهم، إلى درجة عجز الموت نفسه عن إزالتها، أو التخفيف من سماكتها. وتستحضر هذه المسألة إلى الذهن أمرين:
يتعلّق الأوّل، بما ذكرته مارت روبير بشأن أصول الرواية، في أطروحتها التي جعلت فيها رواية الأصول الشخصية والعائلية للبشر أصلاً للرواية، فسرد السيرة الشخصية الفعلية أو المتوَهَّمة لأي شخص، هو معطى فطري طبيعي لدى الناس جميعاً، وما أكثر الذين يقرّ في خلدهم أن قصّة حياتهم ستكون قصّة (هائلة) لا مثيل لها، لو أُتيح لهم، أو لسواهم تدوينها.
ويتعلّق الثاني بظاهرة اصطباغ كثير كثير من المدوّنات الروائية العربية (غير السيرية) بأشتات ألوان متفاوتة الحجم، ومتفاوتة التأثير في سيرورة الأحداث، من السيرة الذاتية للكاتب، وهي أشتات قد تطمس في بعض الحالات جميع ما عداها. والشائع في التناول النقدي للرواية عدّ المتسرّب من السيرة الذاتية للكاتب إلى داخل العالم التخييلي في الرواية واحدة من الهنات التي تنتاب بنية العمل، عبر تقويض مبدأ القطع الاعتباري بين النص التخييلي ومختلف مرجعياته الواقعية، من جانب، وتعريض مبدأ الفرادة للترنّح، من جانب آخر. فالمرجوّ في العمل الفنّي – لكي يكون عملاً فنّياً – ألاّ يشبه شيئاً سوى نفسه، وقد تسربّت ظلال طفيفة من الشهادة التي قرأها كاتب الرواية على غير منبر، إلى المدوّنة التخييلية، عبر قماطير الكتب الموروثة عن الآباء والأجداد، من غير الذهاب إلى عدّ ذلك هنةً تمسّ المتانة المنشودة في المبنى العام للرواية.
ورغم ذلك كلّه، لا يستطيع القارئ منع نفسه من العبور المتكرّر بين النص ومرجعياته الواقعية المكتظّة بمختلف أنماط الذين دوّنوا سيرهم الذاتية، بمن فيهم المسؤولون الذين تطرح الرواية أسئلة وشكوكاً جوهريّة بشأن مصداقية ما يتحدّثون عنه في تلك السيَر، وتتركّز الشكوك في نقطتين: تتمثّل الأولى في حجم الملفّق من الوقائع المسرودة ضمن مدوّنات السير الذاتية عموماً، وضمن التي كتبها المسؤولون بمختلف أنماطهم، ومختلف درجات المسؤولية التي تسنّموها خلال حياتهم، والواقع مليء بأشخاص يتداولهم أبناء البلد بوصفهم تجسيداً لكلّ ما هو خسيس، وقذر، وكريه في الحياة، لكنهم يظهرون مثالاً للطهر والنقاء، والتفاني، وكلّ ما هو خيّر وجميل، داخل المدوّنة التي يكتبونها، أو يكلّفون سواهم بكتابتها، وهم على رأس المسؤولية، أو بعد سحبها منهم بقليل. وهذا ما يمسّ صلب ما سمّاه فيليب لوجون بالعقد المضمر بين كاتب السيرة الذاتية والقارئ، العقد الذي يقضي بأن يلتزم كاتب السيرة بقول الحقيقة، ويلتزم القارئ بتصديق ما يقرأ. لكن حجم الملفّق والمزوّر، أو المقيّد بنظرة ذاتية شديدة الضيق، وشديدة القصر، ينفي عن هذه السير مصداقيّتها، سواء أكانت ذات طابع أدبي، أم غير أدبي، ما يقتضي طرحها تحت مسمّى آخر لا صلة له بمفهوم السيرة الذاتية وتتمثّل النقطة الثانية في أن أولئك المسؤولين يكلّفون آخرين (مرؤوسين غالباً) بكتابة سيرهم الذاتية، نيابة عنهم، بحجة الافتقار إلى الوقت، وإلى الأسلوب الأدبي المناسب، على أساس أن يقوم المسؤول – بمن في ذلك الاقتصاديون والمسؤولون الماليّون – بالحديث مشافهة إلى كاتب ما، يقوم بعدئذ بتدوين ما استمع إليه. وأن الخطّ الرئيس في الرواية الأخيرة للروائي الكويتي طالب الرفاعي (الثوب) يتناول قصّة واحد من المستثمرين الماليّين الكويتيين، يتحدّث فيها عن حياته، ونجاحاته الماليّة، وإخفاقاته الاجتماعية والأسرية إلى كاتب معروف، يكلّفه بكتابة ما يرويه مشافهة مقابل مبلغ من المال. لكن المسألة المثيرة في نص خيري الذهبي، وإحالاته على مرجعياته الواقعية، أن المسؤولين المشار إليهم يدّعون العكس، يدّعون أنهم هم الذين خطّوا بأناملهم (أسفارهم) الخالدة في الحياة.
الموجع في هذه الرواية لا يكمن في كثرة السير الذاتية الملفّقة على مستويين، مستوى ما تضمّه من أحداث ووقائع مزعومة، ومستوى نسبتها إلى كاتبها الفعلي, بل يكمن في قيام (الشركة) بفعل ذلك، (شركة الإنشاء والترميم) ذات التسمية الدالّة، التي يشي اسمها بأنها شركة إنشاءات عامّة، تبني الجديد، وترمّم المتهالك الموشك على السقوط، من المباني والمنشآت العمرانية القديمة، وهي شركة تبدو ذات إمكانيات هائلة، تعتمد أحدث الوسائل التكنولوجية في عملها، إلى حدّ أن لديها أجهزة مبرمجة لكتابة ما يجهله الآخرون عن أنفسهم، وأن لديها موظّفين قادرين على اجتراح المعجزات المتعلّقة بهذا الخصوص.
والمفارقة التي قامت عليها فنّية الرواية (أو فرادتها المنشودة) تتمثّل في أن (راضي) لم يرضَ عمّا دوّنه الكمبيوتر في البداية، فغيّر له الكمبيوتر ما أراد بناء على تقديم معطيات مغايرة، وجرى ذلك غير مرّة، لكنه في نهاية المطاف تحوّل إلى ما دوّنه له الكمبيوتر، خلافاً للمتوقّع، أو المحتمل في هذا السياق، أي أن يكون الرجل هو الأصل، وعلى الكمبيوتر أن يغير ما يدوّنه بناء على رغبة الرجل، لكن الرواية ذهبت إلى أن السيرة التي دوّنها الكمبيوتر، أو الشركة، هي الأصل، وعلى الرجل أن يكون ما أرادته الشركة، وكأن هناك مضمراً ما يقضي بأن الفن هو الأصل، وعلى الإنسان أن يشبه صورته المرسومة فنّياً على شاكلة الواقعة التي رسم فيها بيكاسو صورة شخصية لامرأة (بورتريه)، وعندما نفت المرأة أن الصورة تشبهها، ردّ بيكاسو بأن المرأة سوف تشبه الصورة ذات يوم.
لا نزعم أن هذا هو ما أرادت الرواية قوله على وجه الحصر، لكن للقارئ أن يتلمّس الوجه الذي يستبطن الخطورة، الخطورة الكامنة في هذه الحقيقة المريعة المتمثلّة بنفي معرفة الذات، واستحالة تحقّق هذه المعرفة خارج إطار المؤسّسة، أو الوكالة، أو الشركة بحسب تعبير الرواية، إلى حدّ خروج الإنسان من إنسانيته، أو تضييع هذه الصفة التي تقتضي من المرء معرفة نفسه، أو معرفة المستطاع من حقائق الذات، حيث تقوم المؤسّسة، أو الشركة، أو الجهاز، بالتفكير نيابة عنك، وبالحلم نيابة عنك، وبتدوين سيرتك نيابة عنك، فأنتَ في هذا العالم لست أنتَ، أنتَ فقط ما تريده لكَ الشركة أن تكون.