تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مسارات ( آليات الكتابة السردية )

ملحق ثقافي
19/5/2009م
نبيل سليمان

بالترجمة البديعة للمغربي سعيد بنكراد جاء كتاب امبرتو إيكو (آليات الكتابة السردية) متضمناً ثلاثة نصوص، أولها هو (حاشية على اسم الوردة) ويعود إلى عام 1985،

والثاني هو (كيف أكتب؟) ويعود كالثالث (سخرية التناص ومستويات القراءة) إلى عام 2003.‏

في النص الأول يتأمل إيكو تجربته في كتابة رواية (اسم الوردة)، وعبر ذلك يأتي قوله إن (الإلهام) لا يشكل سوى 20 % من العمل الإبداعي، بينما يشكل المجهود 80 % منه. ومثل هذا مما يتصل بالنص الثاني، يأتي قول إيكو إن السارد أسير مقدماته، ولذلك يغيّر هو مقدماته باستمرار. كما يلح على أن يشوش العنوان على الأفكار، لا أن يحولها إلى قوالب مسكوكة.‏

قد يكون النص الثاني (كيف أكتب) هو الأكثر مخاطبة لمن ما زالت فيهم بقية من تواضع ورغبة دائمة في التعلم. أما الذين ختموا العلم قبل أن يبيض واحدهم البيضة الأولى، أو بعدما فعل، ثم ثنّى أو ثلّث، أما أولاء فلا شأن لإيكو بهم، وإن يكن قد خصّ بعضهم بقوله إن الكتاب الرديئين هم الذين يصرخون «إننا نكتب لأنفسنا». وقد وصف إيكو الواحد من أولاء بأنه نرجسي ومحتال وكذاب، فكل «ما نكتبه نقوم به لنقول شيئاً ما لشخص ما»، وبعبارة أخرى: «إننا نكتب لقارئ».‏

في النص الثاني يحدث إيكو عن كتابته للرواية ابتداءً من: «أجمع أفكاراً، وأسجل ملاحظات، ثم أقوم بتحرير أولي». ويتمم ذلك قوله: «كنت أقرأ، وأرسم خطاطات، كنت أخترع عالماً، وكان على هذا العالم أن يكون دقيقاً جداً لكي أتحرك في داخله بثقة مطلقة». وليس يخفى هنا، ومن بعد، اهتمام إيكو بما قبل الكتابة. فكتابة الرواية تقتضي أن يكون فعل الكتابة لاحقاً للتفكير فيها، إذ «يجب أولاً أن نقرأ أو نجمع جذاذات ونرسم بورتريهات الشخصيات وخرائط المكان وخطاطات لمقاطع زمنية». وهكذا، ما إن يتم إنجاز رسم عالم الرواية، حتى تأتي الكلمات تلقائياً، ويبقى علينا أن نصحح إلى ما لا نهاية: «أكتب، ثم أطبع، ثم أقرأ من جديد، وأصحح وأعيد الطبع».‏

تتميز روايات أمبرتو إيكو بـ(ثقلها) المعرفي. غير أنها لا تقدم المعرفة من خلال الحوار بين الشخصيات أو من خلال تعليقات السارد، بل تجعل المعرفة رؤية روائية. وهذا الروائي والناقد والمفكر لا يستحي من أن يعلن أنه لا يعرف بعد فحوى ما بعد الحداثة. ويرد زهو بعضهم وجهله بتنسيب (التسارد) إلى ما بعد الحداثة. فإقحام صوت المؤلف الذي يفكر فيما يرويه، وإشراكه للقارئ في ذلك ـ مما يعنيه التسارد ـ جاء قبل تيار ما بعد الحداثة، وإن يكن حضور الاستراتيجية التساردية في الرواية المعاصرة، بات أكبر إلحاحاً، وهو ما نلحظه أيضاً في الرواية العربية خلال العقد الأخير.‏

منذ شهر كنت وفيصل دراج في ندوة حول الرواية في عمان. وقد استحسن استخدامي لعبارة (تسريد الفكرة) فعاجلته بـ (التسارد) مما ابتدعه سعيد بنكراد في ترجمته كتاب (آليات الكتابة السردية)، فازداد استحسان دراج لصنيع بنكراد الذي سبق له أن ترجم من مؤلفات أمبرتو إيكو أيضاً (التأويل بين السيميائيات والتفكيكية) و(القارئ والحكاية). ولعل ما تقدم يحفز على معرفة أكبر بصاحب (اسم الوردة) وإبداعاته ونقده وفكره.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية