ورغم أن النصف الأول من العام كان مزدحماً بالصعوبات (تراجع حجم بعض الأقساط بسبب التباطؤ الاقتصادي، رفع مديونية الشركات، تغطيات تفوق المحفظة التأمينية)، يصر القطاع على مقدرته في المناورة على الأوضاع، والشراكة في الخطر لجهة حماية السوق داخلياً، «فالتأمين يسير قدماً، ولكن سرعة مساره قد تشتد مع العوامل الإيجابية أو تتباطأ مع السلبيات» بهذه العبارة لخص إياد الزهراء مدير هيئة التأمين في حديثه مع «الثورة» هواجس القطاع وإليكم التفاصيل.
مؤشرات غير مقلقة!
* ماذا عن أداء قطاع التأمين في السنة الصعبة داخلياً (لجهة تباطؤ النشاط الاقتصادي)، وخارجياً (تداعيات العقوبات الأوروبية على شركات الإعادة العالمية)؟
** كان دائماً معيار العمل في قطاع التأمين هو مقدرته على التعامل مع الخارج من خلال شركات الإعادة العالمية في هذا الإطار لم يظهر حتى الآن أي تغير بعمل شركات الإعادة تجاه شركات التأمين السورية رغم كل العقوبات الموجودة، فالاستمرار في العمل موجود حتى تاريخه، ولا يوجد في المديين القصير والمتوسط أي مؤشر لعدم الاستمرار عدا ما يخص قائمة العقوبات الفردية، وذلك لا يعفي شركات التأمين السورية من تسديد التزاماتها تجاه المؤمنين إنما يجب أن تعالج مشاكلها بمسؤولية، علماً أن قانون محاسبة سورية صدر منذ فترة طويلة وشمل المصرف التجاري السوري وعمل قطاعات النفط والمؤسسة السورية للتأمين وبعض المؤسسات الحكومية الأخرى، ومع ذلك لم تتوقف هذه القطاعات عن عملها وأوجدت الحلول البديلة، وقطاع التأمين قادر على إيجاد الأسواق البديلة في حال حصول أي مشكلة مع أسواق الإعادة الأوروبية، هذا على الصعيد الخارجي.
أما على الصعيد الداخلي، فكما هو معروف أن التأمين مرآة صغيرة للاقتصاد، وأي نشاط اقتصادي ينعكس بدوره على التأمين وهذا ما يسمى مؤشر النمو الذي يعتمد في أقساط التأمين على زيادة الوعي التأميني والدورة الاقتصادية، ومن خلال نتائج الربع الثالث لعمل الشركات استمر الانكفاء والتراجع في بعض قطاعات التأمين ولاسيما في أقساط تأمين البضائع وتأمين الحريق والمنشآت السياحية علماً أن الانخفاض الأكبر سيظهر في نتائج أقساط تأمين إلزامي السيارات نتيجة عدم وعي المؤمنين بقانونية العقد.
هناك بادرة إيجابية يجب أن تلحظ لقطاع التأمين السوري وهي تمسك الشركات بعمالتها رغم التراجع الحاصل في أعمالها على خلاف القطاعات الاقتصادية الأخرى التي سرحت بعض عمالتها جراء سوء الأعمال.
لكن في المقابل خيمت الظروف الراهنة بظلالها ثقيلة على استراتيجية الشركات الراغبة في التوسع الجغرافي إذ تريثت شركات التأمين في الانتشار سواء كان أفقياً أم عمودياً خلال النصف الأول الماضي.
* على ماذا - برأيك - تستند مناعة قطاع التأمين في الأزمة؟
** على مناعة الليرة السورية، لأن أي تغير في سعر صرفها مقابل العملات يخسر القطاع رأسماله بالكامل ويؤثر على التزامات الشركات بالتعويض في حال الحوادث.
وكون الليرة السورية - وبعد ستة أشهر من الأحداث - ما زالت مستقرة فلدى القطاع من المناعة والقدرة على التحمل الكثير.
هناك أيضاً أهمية الالتزام بالجانب القضائي بما يرد بعقود التأمين إذ لم يعد في قطاع التأمين أحكام غير مقبولة، إنما يحكم العقد التأميني ما بين الشركة والمتضررين بدقة 95٪ وهو ما يمنع حدوث احتياطات غير محسوبة.
النقطة الثالثة وهي الارتباط مع المعيد الخارجي في أنواع التأمين الرئيسية التي تشكل خسائر كارثية، وذلك يبعد احتمالات الخطر عن شركات التأمين السورية، هذه العوامل الثلاثة في حال استمرارها تكسب قطاع التأمين المناعة اللازمة في ظل الأزمة.
* ما الإجراءات - إذاً - التي تكفل للتأمين الاستمرار في صد الأوضاع الصعبة؟
** مرونة قرارات هيئة التأمين تمكن القطاع من المناورة على الأوضاع الصعبة في الأشهر المقبلة، فإذا أصبح لدى معيد التأمين الخارجي أي تحفظ في المستقبل للانتساب إلى خطر معين، تستطيع شركة التأمين أن تمنح شركة الاتحاد العربي لإعادة التأمين أو شركات إعادة التأمين العربية حصة من الخطر.
الآن يتم تداول فكرة المشاركة في الخطر بين شركات التأمين السورية، طالما قد يكون لديها صعوبات في الإمدادات الخارجية حيث بدأت مؤخراً تحافظ على أسعار تأمين بعض الأخطار وتعطي تغطيات مأمونة بحيث لا تضطر الإعادة للخارج إلا حصة شبه يسيرة وقد تكون كبيرة حسب نوع الخطر، وذلك من خلال اتفاقها على المشاركة في الخطر وهي منفعة متبادلة.. وأعتقد أن الفكرة ستثمر قريباً الأمر الذي يحمي السوق داخلياً، ولاسيما أنه لم يتعرض حتى الآن لكوارث وحوادث كبيرة تقض مضجع الشركات.
* لكن طول فترة الأحداث، ألم تقلق راحة الشركات؟
** جميع المنشآت التي تعرضت لأعمال الشغب كانت إما خارج نطاق التأمين أو انحسرت بأضرار صغيرة، ولم تكبد سوق التأمين خسائر كبيرة باستثناء سرقة المصرف الزراعي في إدلب وهو المنشأة العامة الوحيدة التي لديها تغطية لأعمال الشغب وبالتالي سيتم التعويض عليها.
مخاطر الديون
* إلى ماذا يحتاج التأمين في الأشهر المقبلة ليعوض ربحه الفائت؟
** على مستوى ربحية الشركات، فإن الأرباح لم تتغير رغم انخفاض الأقساط، وذلك بسبب ارتفاع معدلات الفوائد البنكية التي انعكست بدورها إيجاباً على الأرباح، لكن التحدي الموجود أمام الشركات الآن هو كيفية تحصيل الأقساط، فما درج خلال الفترة الماضية أن المؤمن له يرغب في التأمين ولكن لا يرغب في التسديد الفوري، أو توسيع مجال التسديد، الأمر الذي ساهم في رفع نسبة المديونية لدى الشركات لذلك ستستهلك الشركات جهودها - خلال الفترة الراهنة - في تحصيل ديونها!
* بالعودة إلى أداء قطاع التأمين في النصف الثاني أي عناوين للورشة الداخلية؟
** ترتب فترة الرخاء - التي عاشها قطاع التأمين خلال السنوات الخمس الماضية - عليه اليوم واجباً أدبياً واجتماعياً واقتصادياً تجاه الاقتصاد الوطني.. فعلى شركات التأمين أن تعمل ضمن سياستها على التمسك بالعمالة والمحافظة على السمعة الطيبة وعدم استغلال حاجة الناس للتعويض ولاسيما أنه قد نتوقع أن نلمس خلال الفترة المقبلة تريث شركات التأمين في تسديد المطالبات جراء تراجع حجم الأقساط أو تباطؤ النشاط الاقتصادي، لكننا لن نسمح بذلك.
* أليس التأمين مرغماً بالحفاظ على نفسه؟ هل ينتظر من يفرض عليه سياسة رقابية لضمان سلامته؟
** لا يحتاج التأمين إلى ذلك، لكن إذا حدث أي خلل جراء فهم المعادلة بطريقة خاطئة أو استغلال للظروف سنفرض بلا شك سياسة رقابية متشددة لضمان سلامة المؤمنين.
راحة واستقرار
* هل الشركات متفائلة في المرحلة المقبلة أم ثمة حذر ما؟
** بكل ثقة، أقول إن شركات التأمين تنعم اليوم باستقرار وراحة نفسية ولاسيما أن الأخيرة تلقت رسائل إيجابية من شركات الإعادة العالمية تتعهد بالوقوف إلى جانبها والاستمرار في العمل بالرغم من العقوبات.
وشركات التأمين لن تستجدي أحداً في مقابل استمرار العمل لأن البدائل كثيرة وموجودة كالسوق الآسيوية مثلاً بالرغم من أننا لم نصل لمرحلة التفكير في البدائل البعيدة علماً أن البدائل موجودة حتى في السوق الأوروبية ذاتها ولا مبرر للبحث عنها في الأسواق الأخرى.
* ما استراتيجية التأمين التي تتناسب واستحقاقات المرحلة؟
** تحول معظم أعمال الشركات نحو التأمينات الشخصية والمتناهية الصغر والتركيز عليها، وذلك جراء تعاظم حاجة الناس وتناسب أقساطها مع التغطية المقدمة ولاسيما أن هناك مرونة كبيرة من قبل الشركات اليوم فيما يخص شروط تسديد الأقساط.