ووضعت في حينها ثلاثة سيناريوهات مستقبلية بأنها ستكون أقرب الاحتمالات الممكن توقع حدوثها على صعيد مستقبل هذا الملف في عهد الإدارة الجديدة لأميركا وهي:
أولاً: أن يعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما تخليه عن الدرع الأميركي الذي سعت إدارة سلفه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش نصبه في شرق أوروبا منذ مطلع القرن الحادي والعشرين بشكل نهائي، وتفكيكه لتلك المنظومة الاستراتيجية العسكرية، وبذلك تتحمل إدارة أوباما تبعات ذلك العمل من الناحيتين المادية والاستراتيجية المستقبلية عليها وعلى حلفائها.
أما السيناريو الثاني: فهو أن تقوم الولايات المتحدة الأميركية بمساعدة الروس على الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وتتخلى عن مصالحها في منطقة القوقاز مقابل قبول روسيا بطريقة أو بأخرى مشاركة الولايات المتحدة الأميركية نصب ذلك الدرع الصاروخي في شرق أوروبا، أكان من خلال المشاركة الفنية أم الرقابية، أم المساهمة المباشرة.
أما السيناريو الأخير: وهو السيناريو الذي سيكون الأكثر احتمالاً نظراً للمعطيات الراهنة في وقتها على أقل تقدير، نقصد استمرار الرفض الأميركي ممثلاً في الإدارة الجديدة إدارة أوباما للمطالب الروسية بتفكيك منظومة الدرع الصاروخي الأميركي كما كان على عهد إدارة جورج بوش ولكن الولايات المتحدة الأميركية بتاريخ 17/9/2009 أعلنت وبشكل شبه مفاجئ (تخليها).
كما أفادت بعض المصادر الإعلامية في تشيكيا وبولندا، مع ملاحظة تضارب الأخبار بين مسألة التأجيل والتعليق أو التخلي التام عن هذه المنظومة الاستراتيجية.
ولفهم الاستراتيجية الجديدة «الثوب الجديد» الذي سيتم لباسه للدرع الصاروخي الأميركي سالف الذكر، والذي من خلاله تتأكد لنا مسألة التأجيل للتعديل على هذه المنظومة، وليس للتخلي النهائي عنها كما يتصور البعض وهي كالتالي:
أولاً: لن تتخلى الولايات المتحدة الأميركية عن الدرع الصاروخي بشكل كامل، فهو موجود أصلاً، والأصح أن نقول إن الولايات المتحدة الأميركية ستتخلى عن الجزء الأوروبي البري «شرق أوروبا» والذي اعترضت عليه روسيا سابقاً، ففي الأصل يوجد فعلاً نظام صاروخي أميركي قائم أساساً في الولايات المتحدة الأميركية ويحتوي على 21 منصة لصواريخ اعتراضية تتمركز في آلاسكا وثلاث منصات في كاليفورنيا وقاعدتين للرادارات في فيلينفديلز بإنكلترا، وتولي في غرونلاند الأرض الدانمركية التي تتمتع بحكم ذاتي، حسب أرقام الوكالة الأميركية للدفاع المضاد للصواريخ وما حدث هو أن الإدارة السابقة إدارة بوش الابن قد قررت رفع هذا العدد بحلول العام 2013 إلى 54 صاروخاً، منها 40 في آلاسكا، و4 في كاليفورنيا، و 10 في بولندا، ويذكر أن واشنطن ووارسو، قد وقعتا في العشرين من آب 2008، اتفاقية تتيح للولايات المتحدة نشر 10 صواريخ اعتراضية في إطار المنظومة المذكورة على أراضي بولندا، كما وقعت الولايات المتحدة مع تشيكيا في الثامن من شهر تموز من نفس العام اتفاقية مشابهة بشأن نشر رادار تابع للمنظومة الأميركية على الأراضي التشيكية. ثانيا: يتم استبدال الدرع الصاروخي الأميركي بثوبه القديم البري في شرق أوروبا بنظام دفاعي جديد بحري وبالتالي سيكون هذا النظام الدفاعي الجديد متحركاً مما سيوفر له قدرة أكبر على المناورة والتكتيك بحسب ما صرح به وزير الدفاع الأميركي غيتس ما يعني أن فكرة الدرع الصاروخي قائمة في أوروبا ولكن بطريقة أخرى أكثر دهاء ثالثاً: يجب ملاحظة أن هذا الطرح قد جاء في وقت حساس وبطريقة درامية مفاجئة وخصوصاً إذا ما علمنا انتهاء معاهدة تقليص والحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية (ستارت1) والتي قد وقعت بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة في عام 1991 ولتنتهي فترة سريانها في الخامس من أيلول عام 2009 مع التنبه إلى ملاحظة أن الولايات المتحدة الأميركية لم توجه خطاباً رسمياً مباشراً موجهاً إلى روسيا بهذا الخصوص وتضارب التصريحات الرسمية نفسها مابين التأجيل والتخلي عن المشروع مع ضرورة انتظار ما سيسفر عنه إنجاز تحليل الاستراتيجية في ميدان الدفاع الصاروخي والذي أوعز أوباما لإدارته العسكرية بإجرائه بشكل نهائي والإعلان عنه مع نهاية 25/9/2009.
وهنا نطرح الأسئلة التالية:
ما المقصد الاستراتيجي من تحويل منظومة الدفاع الأميركية من منظومة برية على الأراضي الأوروبية شرق أوروبا دول الكتلة الشيوعية السابقة المجاورة لروسيا إلى أخرى بحرية متنقلة في شمال وجنوب أوروبا؟ وهل ستتقبل روسيا الوضع الجديد للدرع الصاروخي الأميركي البحري المتنقل والذي تم التخلي فيه عن المنظومة البرية للصواريخ.
البالستية العابرة للقارات كما أرادت روسيا إلى أخرى بحرية قصيرة برياً من شرق أوروبا، وتلك البحرية التي ستمخر المياه الأوروبية القريبة من روسيا أصلاً؟ هذا إذا ما أخذنا في الاعتبار أن الولايات المتحدة الأميركية تنوي إقامة جزء من سلسلة الدرع الصاروخي الجديد في منطقة القوقاز، كما صرح بذلك رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي جيمس كارترايت حيث قال: إن البنتاغون يخطط لنشر إحدى محطات الرادار التابعة للدرع الصاروخي الجديد في منطقة القوقاز بدلاً من التشيك، وذلك في إطار إنشاء هيكل جديد لنشر منظومة الدرع الصاروخية الأميركية في أوروبا، جاء تصريح كارترايت هذا في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، وأضاف كارترايت أن 3 سفن حربية أميركية موجودة أصلاً في البحر المتوسط وبحر الشمال ستدافع عن الولايات المتحدة وحلفائها.
كذلك ومن ضمن الخيارات الاستراتيجية الأميركية المطروحة كامتداد لسلسلة الدرع الصاروخي الجديد، والتي بالإضافة إلى المناطق المذكورة سابقاً في شمال وجنوب أوروبا ستكون «إسرئيل» وتركيا ودول البلقان، ولا يستبعد بعض دول الشرق الأوسط، وخصوصاً إذا ما اعتبرنا أن تلك المظلة موجهة أصلاً لمنظومة الدول المعادية للتوجهات الأميركية الامبريالية في العالم ومن أولويات نشر الدفاع الصاروخي في الوقت الحالي هي دول البلقان وتركيا و«إسرائيل» وأذربيجان وهو ما يعني فعلياً عدم وجود أي تغير استراتيجي يذكر في مساعي الولايات المتحدة الأميركية للهيمنة وتهديد الأمن القومي الروسي.
وأخيراً فإننا لا نستبعد رفض روسيا القاطع للمنظومة الدفاعية بشكلها الجديد سوى في الحالات التالية:
أولاً: حصول روسيا على ضمانات أميركية رسمية بعدم التدخل العسكري في مناطق النفوذ الروسي وخصوصاً البيت الروسي القديم.
ثانياً: مشاركة القوات البحرية الروسية في منظومة الدرع الصاروخي الذي لابد أن يتم تغيير اسمه ليكون عالمياً، وذلك عن طريق السفن والغواصات الروسية التي ستتقاسم والأميركية حمل منظومة تلك الاسلحة الاستراتيجية العابرة للقارات عل متنها.
ثالثاً: ضرورة قيام الولايات المتحدة الأميركية بالتخلي عن تشددها السابق تجاه انضمام روسيا إلى منظمة التجارة الدولية وانضمام كل من أوكرانيا وجورجيا إلى حلف شمال الأطلسي «الناتو» كذلك ضرورة إعطاء روسيا حقها على رقعة الشطرنج الدولية.