حيث فوجئت وسائل الإعلام والأوساط السياسية العالمية بتصريح الرئيس الروماني ترايان باسيسكو يوم الرابع من شباط 2010 والذي كشف فيه أن بلاده وافقت على مقترح أميركي بنصب منظومة من صواريخ الاعتراض الأميركية على أراضيها والمعروفة إعلامياً (بالدرع الصاروخي) وهي قضية أثارت خلافاً حاداً بين موسكو وواشنطن خلال السنوات الماضية.
وجاء الإعلان في بوخارست بعد ساعات من اجتماع عقد بين الرئيس الروماني وايلين ناوشر مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون التسلح التي وصلت صباح نفس اليوم على رأس وفد من الخبراء الأميركيين.
وبرر وزير الخارجية الروماني «تيودور باكونسكي» موقف بلاده هذا بأن النطاق الجغرافي الذي تشكل رومانيا جزءاً منه يبدو هشاً أمام الهجمات الصاروخية وأن المشروع الأميركي 100٪ يجسد اتفاقاً ثنائياً دفاعياً.
أما وزير الدفاع الروماني فإنه نفى أن تكون هناك صلة بين مشروع الدرع الصاروخي الأميركي ورغبة بلاده بشراء طائرات (إف16) مؤكداً أن المشروعين منفصلان تماماً.
وكان الرئيس باسيسكو قد طمأن بأن هذا القرار ينسجم مع مقررات قمة الناتو التي عقدت في بوخارست قبل عامين وأضاف أن هذا الدرع الصاروخي سيحمي كافة أوروبا وليس غربها فقط وسيساهم في تعزيز الشراكة مع واشنطن ورفع درجة الحماية الأمنية لرومانيا حسب تعبيره.
ويتضمن هذا المشروع الذي هو بحاجة إلى اتفاق عسكري ثنائي بين البلدين وموافقة الأغلبية البرلمانية بعد استبعاد إجراء الاستفتاء عليه شعبياً إلى أن تضع رومانيا تحت تصرف البنتاغون أماكن لنصب صورايخ التقاطع من نوع M-3black IB التي ستبدأ العمل بها للفترة 2011- 2020 وستكون فاعلة ابتداءً من عام 2015.
وتتحمل وزارة الدفاع الأميركية جميع تكاليف الصورايخ والبنى التحتية وإعداد منصات إطلاقها التي لم يكشف النقاب عن مواقعها، أما بالنسبة للرادارات فإنها ستنصب في دولة أخرى لم تعرف بعد.. أتت هذه الخطوة بين كل من رومانيا وأميركا بعد جدل كبير حيث أثار ملف الدرع الصاروخي في وسط وشرق أوروبا جدلاً بين إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش والكرملين وتسبب في توتر العلاقات بين الدولتين وخاصة عندما أقنعت واشنطن كلاً من بولندا التي تبعد 60كم عن الحدود الروسية وجمهورية التشيك بنصب هذه الصواريخ والرادارات على أراضيها واعترضت موسكو على هذا المشروع حتى مجيء الرئيس أوباما الذي أعلن أنه يتخلى عن نصب هذه الصورايخ في هاتين الدولتين مما اعتبرتها موسكو بادرة إيجابية تخفف من التوتر بين الدولتين.
إلا أن الإعلان عن هذا الاتفاق الجديد بين واشنطن وبوخارست بشأن الدرع الصاروخي جدد قلق موسكو التي أعلنت بدورها تبنيها لعقيدة عسكرية جديدة تحفظ هيبة موسكو ومصالحها. إذ إنه حتى العام 2007 كان الجدل لا يزال محتدماً في أوروبا حول المشروع الأميركي بإقامة درع صاروخي في عدة أماكن من القارة بزعم حمايتها من الهجمات النووية، حيث كانت العديد من دول أوروبا ترفض استقبال أجزاء القواعد الصاروخية وأنظمة الرادار التابعة له وسط تساؤل عن جدوى مثل هذا الإجراء أو الأسباب الحقيقية لإقامة المشروع. بالإضافة إلى اعتراضات روسيا الشديدة التي تعتبره تهديداً لحدودها القومية وتقويضاً لقوتها النووية.
واتهمت روسيا الولايات المتحدة باستخدام أساليب الحرب الباردة لاقناع أوروبا باستضافة الدرع المضاد للصواريخ الذي تقول موسكو إنه يمثل تهديداً لأمنها القومي.
وتعتزم واشنطن نشر أجهزة رصد بالرادار وبطاريات صواريخ في بولندا وجمهورية التشيك كجزء من مشروع مصمم للتصدي لأي هجمات بصواريخ طويلة المدى في المستقبل من دول تعتبرها أميركا معادية مثل إيران وكوريا الشمالية.
وهاجمت موسكو الخطة بشدة قائلة إن إيران لا تمتلك صواريخ طويلة المدى ودفعت عوضاً عن ذلك أن الدرع يهدد الأمن القومي الروسي. وتعهدت بتطوير تدابير مضادة.
وخلال السنوات الماضية سعت أميركا لتخفيف المعارضة الأوروبية للمشروع الصاروخي حيث قال مسؤول أميركي كبير لصحيفة بولندية في عام 2007 إن الدرع سيحمي القارة ويمكن دمجه في حلف شمال الأطلسي.
وقال مساعد وزيرة الخارجية الأميركية دانييل فرايد الموجود في وارسو لمناقشة وضع جزء من الدرع الصاروخي على الأراضي البولندية لصحيفة جازيتا فيبورتشا اليومية البولندية إن واشنطن تجري محادثات بشأن الدرع مع كل الدول الأوروبية في حلف الأطلسي.
وقال فرايد «هناك كثير من سوء الفهم بهذا الصدد.. على سبيل المثال وجهة النظر بأن الدرع الصاروخي سيحمي فقط الولايات المتحدة.. نريد لهذا النظام أن يحمي أوروبا أيضاً. بالنسبة لنا الأمن لا يتجزأ». وبعد العديد من المباحثات الأوروبية الأميركية وقد استطاع الأميركيون التوصل إلى هدفهم في اقناع الأوروبيين بمنظومتهم الدفاعية حيث رحب مؤخراً حلف شمال الأطلسي، الناتو، بالاتفاق الذي تم التوصل إليه بين رومانيا والولايات المتحدة الأميركية والذي تنشر الأخيرة بموجبه صواريخ تابعة لها في الأراضي الرومانية.
وكان الحلف قد رحب قبل أيام بخطوة مماثلة قامت بها تركيا، مشيراً أن تنفيذ إتفاقية الدفاع الصاروخي تسير قدماً إلى الأمام حيث أعلنت أنقرة أنه سيتم نشر رادار الدرع الصاروخي التابع لحلف شمال الأطلــسي في منطقة ملاطية في وسط تركيا.
وذكرت شبكة «ان تي في» التركية أن أنقرة وواشنطن وقعتا على محضر اجتماع حول تحديد موقع القاعدة التركية لنصب أنظمة الدرع الصاروخي. وتمضي اليوم الولايات المتحدة الأميركية بمشروعها لحماية نفسها بعيداً عن كونها وكيانها الصهيوني المدلل يشكلان الخطر الأكبر على شعوب العالم.