تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


من رومانيا إلى بولندا .. والمحطة المثيرة في تركيا

قاعدة الحدث
السبت 1-10-2011
إعداد: ريم صالح

اليوم وبعد موافقة تركيا على نشر درع صاروخية أميركية على أراضيها فإن هذا الإجراء التركي أثار جدلاً واستياء واسعاً في الداخل التركي فضلاً عن الخارج الإقليمي والدولي ويبقى السؤال لماذا؟ ما مغزى إقامة هذه المنظومة على الأراضي التركية؟ ما سبب موافقة أنقرة؟

وكيف ترضخ للمطلب الأميركي وهي تعلم حق المعرفة أن هذا الدرع ما هو أولاً وأخيراً إلا منظومة للدفاع عن إسرائيل التي قتلت وشردت ملايين الفلسطينيين كما سفكت دماء الأتراك في سفينة مرمرة التي كانت متجهة إلى قطاع غزة لكسر الحصار المفروض عليها؟‏

ويرى محللون أن تركيا التي انضمت رسمياً إلى صفوف دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) مطلع عام 1952 وأفادت منه كثيراً في تقوية تشكيلات قواتها المسلحة البرية والبحرية والجوية حيث اعتبرت الثانية بعد الولايات المتحدة في ذلك الحلف العسكري الإستراتيجي فضلاً عن مساعدات اقتصادية هائلة انهالت عليها منذ عقد الخمسينيات من القرن العشرين في سبيل أن تكون الخط الدفاعي الأول والأعظم إزاء أي اندفاع عسكري سوفييتي مزعوم باتجاه الشرق الأوسط ومياهه الدافئة وحقول بتروله الهائلة فإنها بالتأكيد لا تبتغي النأي عن هذا الحلف الذي لا يتمنى هو أيضاً وبشكل مطلق الابتعاد عنها لا لشيء إلا لمساحتها الواسعة وموقعها الإستراتيجي الهام ومكانتها في المنطقة المحيطة بها وامتلاكها مضيقين إستراتيجيين يتحكمان في جزء ملموس من تجارة العالم وبتروله المصدر فضلاً عن إطلالتها على 3 بحار ذات أهمية عالمية قصوى وكونها بقعة وصل بين قارتين تعتبران قلب العالمين القديم والمعاصر ولذلك فإن الناتو الذي اجتمع زعماؤه في لشبونة يوم 26/11/2010 طرح على أنقرة مشروع إقامة الدرع الأميركية على أراضيها فما كان من الأخيرة إلا أن وافقت على نشرها فوق أراضيها.‏

ولابد من الإشارة إلى أنه بمجرد أن تبدأ الرادارات عملها الفعلي فإن إيران ستصبح أكثر انكشافاً أمام إسرائيل حيث يحتفظ الأطلسي بقواعد وأنظمة تشغيل هذه الرادارات ما يعني وصول كل معلوماتها إلى الإسرائيليين وليس صحيحاً أبداً ما يقوله الأتراك من أنهم لن يتبادلوا هذه المعلومات مع إسرائيل لأن الأخيرة لا تحتاج إلى قرار من أحد للحصول على المعلومات التي تريدها.‏

وبحسب مراقبين فإن تركيا ستستفيد اقتصادياً بهذا المنحى في أية بقعة تنشر فيها أجزاء منظومة الدرع الصاروخي المعقدة.‏

إن أواصرها مع حلف الأطلسي لن تتواصل فحسب بل ستتطور نحو الأفضل ما دامت حاجة الحلف قائمة إليها في هذا المجال.‏

ستـنعم تركيا بمساعدات أميركية وأطلسية.‏

القرار التركي سيسهل على تركيا حصولها على عضوية الإتحاد الأوروبي الذي طالما عملت بجهد في سبيل الحصول عليها.‏

ولكن وعلى الرغم من تلك الإيجابيات المفترضة يشير خبراء آخرون إلى أن لهذه المنظومة على تركيا نتائج سلبية عديدة منها:‏

- لا يوجد دفاع مضمون حيال المقذوفات البالستية وبالأخص منها ذات المدى القصير ودون المتوسطة ولغاية 1500 كيلومتر إذ لا تعدو مدة تحليقها سوى بضع دقائق منذ الانطلاق ولحين سقوطها على الهدف ولما كانت تركيا واقعة ضمن ذات المدى احتساباً من المواقع المعادية المفترضة فإن ضمان الدفاع عنها إزاء مثل هذه المقذوفات غاية في الصعوبة.‏

- إن نصب أجزاء من منظومات الدرع الصاروخي الأميركي على الأرض التركية قد يجلب أخطاراً محدقة عليها وربما يحول أصدقاء لها في المنطقة إلى خصوم قبل أن يتحولوا إلى أعداء.‏

- لا ضمان من حيث الأساس بأن لا يسقط أي جزء من أية منظومة مقذوفات بالستية في الأرض التركية أو على مقربة منها فالصاروخ المكون عادة من مرحلتين دافعتين أو ثلاث لا بد أن يسقط خزان وقوده الأول بعد انطلاقه بقليل ولا يمكن مطلقاً أن يتم التحكم باتجاه سقوطه بحيث يقع في موقع محدد، وخصوصاً في ظروف المواجهة العسكرية إذ ينصب الهم الأول والأخير نحو ضرورة اعتراض الصاروخ المعادي ومحاولة إسقاطه قبل أن يصل مبتغاه.‏

- إن الولايات المتحدة الأميركية بدرعها الصاروخي الجديد لا تحتسب إلا للدفاع عن أرضها وشعبها وحلفائها وطفلتها المدللة إسرائيل.‏

- ومن جهة أخرى كتب المعلق التركي (يالجين دوغان) في صحيفة حرييت أنه بموجب مذكرة التفاهم الثنائية المبرمة بين وزارتي الخارجية الأميركية والتركية ستتحول القاعدة في ملاطية إلى قاعدة للناتو وهذا يعني أنه سيتم تمركز الجنود الأميركيين والفريق الفني في القاعدة وهذا مساس بالسيادة التركية لافتاً إلى أن نشر قوات أجنبية في تركيا ليس مسألة تعالجها مذكرات التفاهم مؤكداً أن الوثيقة الموقعة يجب أن تعرض على البرلمان للموافقة عليها من دون إبطاء.‏

- كان لأنقرة تجارب مريرة عام 1965 مع رادارات أميركية مماثلة حيث أدت إلى انتشار الأوبئة والأمراض فضلاً عن تدمير البيئة والمحاصيل الزراعية.‏

أما عن مسوغات المسعى الأميركي لنشر الدرع الصاروخية على الأراضي التركية فتؤكد مصادر دبلوماسية أميركية أن الإدارة الأميركية بهذا النهج تحقق عدة مكاسب منها:‏

- فرض الهيمنة على دول الشرق الأوسط والمنطقة العربية لأنها مناطق مصالح إستراتيجية لتسيطر على مصادر الطاقة والغاز والنفط وبالأسعار التي تحددها واشنطن بنفسها.‏

- ضمان حرية الملاحة الآمنة عبر الممرات الملاحية الدولية عبر البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر والخليج العربي.‏

- ولكي تبقى الولايات المتحدة الأميركية هي المسيطرة على تفجير الأزمات في دول المنطقة لأنها ستنقل معداتها الحربية القتالية لكي تكون أسرع في إمكانية استخدامها وتهديد المنطقة بأسرها.‏

- تسعى الولايات المتحدة دائماً ومن خلال كل تصرفاتها إلى الحفاظ على بقاء إسرائيل واستمرار وجودها.‏

- إحكام الخناق على روسيا من جهة وتهديد إيران من جهة ثانية وابتزاز سورية من ناحية ثالثة.‏

والجدير ذكره أن تنفيذ المنظومة سيبدأ في نهاية العام الحالي وذلك في منطقة كوراجيك التابعة لمحافظة ملاطيا الواقعة في جنوب شرق تركيا وستكون المرحلة الأولى منها عبارة عن نصب صواريخ على سفن في شرق المتوسط على أن تكون أجهزة الرادار والإنذار المبكر متمركزة على الأراضي البرية التركية ومن ثم نصب الصواريخ على الأراضي التركية والرومانية بدءاً من العام 2015 وبذلك ستكون تركيا القاعدة الصاروخية الثالثة لأميركا في أوروبا بعد تشيكيا وبولندا.‏

ووفقاً لمصادر مختلفة فإن الخطة الأميركية النهائية تقوم على بناء منظومة رادار «إكس باند» في تركيا تكون قريبة من الحدود الإيرانية بينما يتم نصب صواريخ دفاعية في منطقة القوقاز على أن يكون مقرها «أذربيجان» في أقوى الاحتمالات وقالت المصادر ذاتها إن الولايات المتحدة تسعى من وراء بناء هذه المنظومة في تركيا إلى رصد الصواريخ الباليستية من الدول المجاورة لتركيا والتصدي لها مع التنويه إلى أن «إكس باند» قادر على التقاط ورصد أي شيء يطير في الهواء مهما كان صغيراً كما يتصدى لأي صواريخ تأتي من جهة معادية على صغر حجمها.‏

وفي السياق ذاته اعتبر نائب رئيس أكاديمية القضايا الجيوسياسية (ليونيد إيفاشوف) في اتصال مع قناة «روسيا اليوم» أن اتفاق واشنطن مع كل من رومانيا وتركيا على استضافة هذين البلدين لعناصر من الدرع الصاروخية الأميركية ليس إلا عنصراً من خطة أكبر ترمي إلى إنشاء منظومة شاملة تستهدف روسيا بالدرجة الأولى والصين بالدرجة الثانية وذكر أن الخطر الرئيسي يكمن في فكرة نشر صواريخ اعتراضية على متن سفن حربية يمكن أن تنتقل إلى أي منطقة في المحيط العالمي وأوضح الخبير أن الإدارة الأميركية لها أيضاً خطط لنشر مجموعة من الأسلحة الضاربة في الفضاء تعتمد على استخدام أشعة لليزر لافتاً إلى أن الولايات المتحدة بدأت مؤخراً اختبار أسلحة ليزر عاملة في الجو.‏

وحول ردود الفعل المحلية والإقليمية والدولية إزاء الدرع الصاروخي الأميركي المزمع نشره في تركيا أثارت موافقة حكومة حزب العدالة والتنمية على نصب أنظمة الرادارات على الأراضي التركية انتقادات شديدة من الأحزاب السياسية التركية وفي مقدمتها حزب الشعب الجمهوري المعارض الذي اعتبر بلسان زعيمه (كمال كليجدار اوغلو) أن هذه الحكومة صارت بالنسبة إلى المعارضة دمية في يد الأميركيين تنفذ مصالح الولايات المتحدة على حساب المصالح العليا للدولة والشعب التركيين هذا في حين تظاهر آلاف الأتراك منددين بهذا القرار بينما نظم سكان منطقة كوريجيك التي تنوي أميركا والناتو إقامة المنظومة على أراضيها حملة على الفيس بوك وبلغ عدد أعضاء مجموعة «لا نريد درعاً في كوريجيك» 12 ألفاً ويقول الناشطون في الحملة إننا سنشكل درعاً ضد الدرع حتى ولو أدى ذلك إلى رفع سقف المطالب إلى إسقاط النظام في تركيا وفي موازاة ذلك رأت إيران أن هذا الدرع لا يخدم الأمن والاستقرار في المنطقة بل يعقد الأوضاع فيها وينعكس سلباً على شعوبها فيما رحبت كل من واشنطن والناتو بالقرار التركي.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية