وهذا المشروع الذى أطلق عليه (الدفاع الوطني الصاروخي) واختصارا (ن م د) حال تنفيذه يكون قد طبق للمرة الأولى في العالم من قبل دولة كبرى وهو ما تحظره معاهدة الحد من الأسلحة البالستية المضادة للصواريخ (ا ب م) الموقعة بين الولايات المتحدة وروسياعام 1972، التي صيغت بنودها بما يبقي الأجواء مفتوحة وغير محمية بهدف إيجاد درع متبادل بين الدولتين في حالة قيام إحداهما بتوجيه الضربة النووية الأولى، بحيث تكون الدولة الأخرى التي وقع عليها الاعتداء قادرة على توجيه الضربة النووية الثانية دون عوائق تعترضها.
وظهرت الصواريخ البالستية في الأربعينيات عندما استخدمها الألمان لأول مرة عام 1944حين اطلقوا (1350 صاروخاً) نوع (في1) متوسطة المدى ضد المدن البريطانية والموانئ البلجيكية وفرنسا والتي نتج عنها خسائر مادية وبشرية فادحة، الامر الذي أثار حفيظة وانتباه الإدارة الأميركية بأهمية الصواريخ البالستية كوسيلة دفـاعية لحماية أراضيها مـن أخطارها المدمرة وخاصة مع امتلاك عدة دول في العالم المئات من هذه الصواريخ التي أصبحت تهدد أمنها في أي لحظة ودون سابق إنذار.
وقد استطاعت أميركا في الأربعينيات صناعة رادارات قادرة على اكتشاف الصواريخ البالستية بمجرد ارتفاعها فوق الأفق المرئي مع إيجاد وسـائل إنذار للمواطنين الأميركيين للاختباء في الملاجئ وللمؤسسات العسكرية للاستنفار والقيام بالرد الهجومي الانتقامي، وفي بداية السبعينيات تمكنت الولايات المتحدة من صناعة صواريخ دفاعية مضادة لاعتراض وتدمير الصواريخ البالستية المعادية على أراضيها حيث أنتجت نظاماً صاروخياً نوع (سبارتان) الذي يقوم عبر أشعة أكس بتدمير الهدف فوق الغلاف الجوي وكذلك نظام (سبرنت) الذي يقوم بتوليد نيترونات داخل الغلاف الجوي وسمي هذا المشروع بالحارس الأمين.
وفي بداية الثمانينات أعلنت الحكومة الأميركية عن تبني مبادرة الدفاع الاستراتيجي حيث تم التفكير بتطوير مشاريع أنظمة الدفاع المضادة للصواريخ البالستية والتي أطلق عليها حرب النجوم ولكنها توقفت لأسباب القيود الصارمة لمعاهدة الدفاع ضد الصواريخ البالستية والمشكلات الفنية المستعصية وفشل التجارب الأولية والتي تعتبر مكلفة للغاية وفي مطلع التسعينيات أبدت الولايات المتحدة الأميركية تخوفها من بعض الدول التي اطلقت عليها الدول (المارقة) أو الخارجة عن السيطرة حسب المفهوم الأميركي والتي استطاعت أن تمتلك صواريخ بالستية وتقوم بتطويرها محلياً مثل كوريا الديمقراطية وإيران، حيث ادعت واشنطن أنها تهدد أمنها القومي ومصالحها الخارجية بالإضافة لروسيا والصين اللذين يهددانها بحسب قولها بشكل غير مباشر، الامر الذي دفعها للإعلان عن عزمها تنفيذ مشروع الدرع الصاروخي الأميركي.
مكوناته..
يتكون نظام الدفاع الصاروخي الأميركي (ن م د) من عدة منظومات فرعية تشمل منظومة القيادة والسيطرة والاتصالات وإدارة المعركة، ومنظومة القاعدة الصاروخية الأرضية للاعتراض، ومنظومة الاتصالات للسيطرة على الصاروخ واعتراضه في الجو، ومنظومة رادار استطلاع الأهداف المعادية، ومنظومة رادار الإنذار المبكر، ومنظومة الأشعة تحت الحمراء الفضائية، بجانب خطوط كوابل من الألياف الضوئية لربط عناصر النظام.
فبالنسبة لمنظومة القيادة والسيطرة والاتصالات وإدارة المعركة فهي منظومة تحكم وقيادة مركزية لنظام الدفاع الصاروخي مقرها ولاية (ألاسكا) شمال الولايات المتحدة، كما سيتبعها في المستقبل مراكز قيادة وسيطرة فرعية في المناطق الحساسة من العالم التي سيتقرر إقامة أنظمة فرعية أخرى مضادة للصواريخ فيها، وتعتبر هذه المنظومة بمثابة العقل المحرك للنظام كله، والعنصر المركزي المسؤول عن تخطيط وإدارة جميع الأنشطة المتعلقة بالنظام وتشمل أعمال التصميم، والتطوير، ودمج المنظومات الفرعية معا داخل النظام، وكذلك الاختبارات والتجارب، ونشر وصيانة عناصر النظام. كما تحتوي هذه المنظومة أيضاً على المعدات والتطبيقات وأجهزة الاتصالات اللازمة لأعمال التخطيط وتخصيص المهام والسيطرة، وتمكن قائد النظام من تفهم الموقف العملياتي على مختلف الجبهات المعادية والصديقة وتقديره، ثم اتخاذ القرارات الملائمة للاشتباك مع أي تهديد صاروخي قد تتعرض له الأهداف الأميركية، ثم بعد ذلك إدارة عملية الاشتباك حتى تتحقق المهمة في أقل وقت وبأقل كلفة، وذلك خلال جميع مراحل ومستويات الصراع المسلح. كما تمكن هذه المنظومة القائد العام للدفاع الجوي عن أميركا الشمالية، والقيادة الأميركية للفضاء من ممارسة أعمالهما في السيطرة على عمليات النظام المتكاملة.
مراحل نشر النظام..
المرحلة الأولى وتنتشر في جنوب أوروبا وشمالها، وتشمل نظام إيجيس الرادارية التي يتم تزويد السفن الحربية بها مع صواريخ بحر/ جو (ستاندارد 3) وصواريخ (بلوك) المصممة لتدمير الصواريخ البالستية قصيرة ومتوسطة المدى، وقد تم اختبار هذا النظام بنجاح في العام 2008، ودمرت قمراً صناعياً أميركياً خرج عن مساره، أما المرحلة الثانية فسيتم نشرها في عام 2015، وهي صيغة محسنة من (ستاندارد 3) و(بلوك) وتحاول الولايات المتحدة نشرها في جمهوريتي تشيكيا وبولندا، أما المرحلة الثالثة فسوف تنشر في عام 2018، وهي نسخة أكثر تطوراً من نظام المرحلة الثانية كما يجري تطويرها حالياً، وفيما يتعلق بالمرحلة الرابعة فإنها سوف تنشر في عام 2020، وهي النموذج الأكثر تطوراً للأنظمة الصاروخية السابقة والتي ستكون قادرة على اعتراض صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، وكذلك صواريخ بعيدة المدى.
ومن المتوقع أن تقوم الولايات المتحدة بنشر منظومة (إيجيس) بصواريخها (ستاندارد 3) على سفنها في البحرين المتوسط والأحمر، لدعم قدرات إسرائيل والقوات الأميركية في المنطقة، كما كشفت صحيفة معاريف الإسرائيلية في ايلول عام 2009 النقاب عن أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تفكر في بناء قواعد صاروخية في إسرائيل، وتركيا لتكون بديلاً عن درعها الصاروخية في تشيكيا وبولندا.
وفي هذا الإطار قال بعض المسؤولين الإسرائيليين إن قرار إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بتجميد نظام الدفاع الصاروخي NMD الذي تبناه بقوة الرئيس السابق جورج بوش، هو كنز لإسرائيل، ذلك لأن البديل الذي اختاره أوباما- وهو استخدام أنظمة الرادار (إيجيس) والصواريخ المضادة المرافقة لها المتنقلة في البحرين المتوسط والأحمر، وأيضاً براً على الأراضي التي تحتلها إسرائيل، والتركية، يوفر حماية غير محسوبة لإسرائيل.
وهذا ما أكده البروفيسور (دين فيلكنج) العالم الفيزيائى الأميركي الذي قال في حديث مع إذاعة الجيش الإسرائيلي إن الفـــارق الأساسي بين مشروع بوش، ومشروع أوباما هو أن شبكة الصواريخ في أوروبا كانت تستهدف الدفاع عن الأراضي الأميركية من صواريخ إيرانية «مزعومة» بعيدة المدى.
وهي تحتاج إلى وقت حتى يتم تجهيزها، بينما هدف الصواريخ المتنقلة هو حماية حلفاء أميركا في أوروبا، والشرق الأوسط، وخصوصاً تركيا، وإسرائيل، التي تواجه خطراً فعلياً، على حد زعمه وهذه الشبكة جاهزة وتعرف باسم (إيجيس).