إلا ان الفنان الأوروبي كان سباقاً في إعطاء المعطيات البيئوية والزخرفية نفحة تلوينية عفوية ومتحررة، وهذا ما نجده بشكل واضح في أعمال «هنري ماتيس» الفنان الذي يمثل الاستشراق الفرنسي في مراحله المتأخرة، والذي ساهم إلى حد بعيد في إحياء الزخرفة العربية، معتمداً على اللمسة اللونية العفوية والتلقائية والمرتجلة، والبعيدة كل البعد عن الرزانة الرياضية التي استمرت في الفنون العربية لعدة مئات من السنين، وبذلك فإن أعمال ماتيس تشكل نهاية لتقاليد فنية بكاملها (التقاليد الزخرفية العربية الهندسية)، غير أنها تشكل أيضاً بداية لتقاليد جديدة في الفن الزخرفي الحديث القائم على التلقائية والعفوية.
وعلى الصعيد الفني والتقني لم يكن الاستشراق في كل مرحله المتعاقبة منذ عصر الاستشراق الرومانسي الذهبي في النصف الأول من القرن التاسع عشر إلى الاستشراق الزخرفي التجريدي مروراً بالاستشراق الانطباعي، إلا الجسر الذي عبرت من خلاله مجمل الاتجاهات والتيارات التشكيلية الأوروبية الحديثة والمعاصرة إلى المحترفات والمعارض الفنية العربية. ولقد كان استشراق ماتيس بمثابة الشرارة التي أطلقت موجات التجديد والحداثة في الفنون الزخرفية الغربية والشرقية. كما أن الاستشراق الأوروبي (منذ عصر دولاكروا) قد أوجد خصائص لونية جديدة للوحة الشرقية منطلقها واحد، كونها مستمدة من تأثيرات وتغيرات لونية وضوئية واحدة متماثلة ومتقاربة.
adibmakhzoum@hotmail.com