، ورفضاً إسرائيلياً رسمياً للتعامل معها، بوصفها «حلاً» لموضوع الصراع العربي- الإسرائيلي، وشهدت الفترة العربية الماضية، وخاصة بعيد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة نهاية العام الماضي وتداعياته، تململاً عربياً من جهة، وحرجاً من جهة أخرى تجاه استمرار اعتماد هذه المبادرة وصولاً إلى مطالبة العديد من الدول العربية بسحبها.
ومع تشكيل الإدارة الأميركية الجديدة، والتعيين السريع لمبعوثي البيت الأبيض ريتشارد هولبروك إلى أفغانستان -باكستان، وجورج ميتشل إلى منطقة الشرق الأوسط، دخلت المنطقة مرحلة جديدة عنوانها ماهية هذا الحراك وأهدافه المرئية، وخلافاً للتجاهل السابق الذي ميز ولايتي بوش، باستثناء العام الأخير من عهده عام 2008، الذي لم يثمر عن نتائج رغم زعم بوش بأنه عام تحقيق رؤية الدولتين.
وعلى الرغم من التزام الرئيس الأميركي باراك أوباما المبكر بضرورة التوصل إلى تسوية لموضوع الصراع في المنطقة على كل المسارات، وخاصة حل مبدأ الدولتين والتجميد الكامل للاستيطان، كذلك مواقف الاتحاد الأوروبي وروسيا بوصفهما أعضاء في اللجنة الرباعية، طالبا بدورهما بتفعيل دور هذه اللجنة، فإنه ينظر إيجاباً إلى هذا الحراك الدولي من جهة، وتعارضه مع سياسة حكومة نتنياهو- ليبرمان اليمينية من جهة ثانية.
وبغض النظر عن ظروف التوافق العربي على هذه المبادرة، وكيفية تعامل الدول العربية معها، والملاحظات حولها وخاصة مسألتي التطبيع الكامل، وحق العودة انسجاماً والقرار الدولي رقم 194 فإن جولات الوفود الأميركية إلى المنطقة، على أهميتها، والتعارض الجاري في موقفي واشنطن- تل أبيب تجاه موضوع الاستيطان، على أهميته أيضاً، بات يطرح العديد من التساؤلات، منها: هل سيتواصل هذا التعارض الدولي- الإسرائيلي حول موضوع الاستيطان بوصفه خرقاً للقوانين الدولية (التغيير الديمغرافي في أراض محتلة، ولخارطة الطريق التي تنص على وقفه أيضاً- رغم ملاحظاتنا على هذه الخارطة أصلاً)؟
وتالياً إمكانية تطوير هذه المواقف من أقوال إلى أفعال، توصل إلى انصياع إسرائيل للموقف الدولي، الذي يعلن رسمياً في الحد الأدنى، أنه غير شرعي؟ أم سيجري البحث عن حلول «وسط» تتلخص في تجميد مؤقت للاستيطان (عام أو ستة شهور) مقابل خطوات «إيجابية» عربية من شأنها «تشجيع» مواصلة هذه الجهود الدولية وخاصة الأميركية؟.
وبالتالي تخفيض سقف المبادرة العربية إلى خطوات تطبيع أولية مقابل تجميد الاستيطان (نشير هنا إلى أن التجميد المطروح يشمل أساسا المستوطنات المقامة في وسط الضفة الغربية) وليس مجموع العملية الاستيطانية وخاصة القدس الشرقية ومناطق الخط الأخضر. جولات الوفود الأميركية بدأت تطرح مؤخراً ومعها عدد من الدول الأوروبية أيضاً، أهمية التعارض الجاري مع «إسرائيل» وثانياً أهمية وضرورة خطوات حسن نية عربية : (فتح المجال الجوي العربي. أو بعضه في الحد الأدنى، أمام حركة الطائرات المدنية الاسرائيلية، فتح خطوط الاتصال الهاتف والالكتروني، فتح بعض مكاتب التمثيل التجاري ..الخ) بوصفها خطوات أولية وأن الدول العربية غير مطالبة بالتطبيع الكامل الآن؟!
كما أن هذه الخطوات ستندرج في سياق البحث عن حل شامل لمسارات «التفاوض» السورية، اللبنانية، الفلسطينية وفي إطار خطة تفاوضية محددة زمنياً بـ18 شهراً، دونما الإشارة إلى أن هدف هذه الخطة التفاوضية يتلخص في تطبيق قرارات الأمم المتحدة «المتوازنة» أو المبادرة العربية التي تنص على انسحاب كامل من جميع الأراضي العربية المحتلة.
مواقف الحكومة الاسرائيلية التي دخلت في «بازار» تفاوضي مع المجتمع الدولي وخاصة الادارة الأمريكية ووفودها تصر على ضرورة خطوات التطبيع المجاني أولاً وعلى تجزئة تجميد الاستيطان: «النمو الطبيعي للمستوطنات، أي شرعنة الاستيطان القائم، عدم شمول التجميد مناطق القدس الشرقية ومستوطنات الخط الأخضر، التجميد المؤقت والبحث في مدته ..الخ».
بوصفه تفاوضاً جديداً يخفض من سقف المبادرة العربية أصلاً وتترافق هذه المواقف مع رفض العودة إلى حدود الـ1967 على المسارات العربية السورية- اللبنانية) ورفض تقسيم القدس الشرقية ومجرد البحث في موضوع اللاجئين وتفكيك المستوطنات في إطار الحل النهائي وتحديد الحدود النهائية.
ورغم أهمية التعارض الدولي وخاصة الأمريكي مع المواقف الإسرائيلية والرافضة أصلاً لأي تسوية «متوازنة» فإن مايطرح من اقتراحات يطرح تساؤلات عديدة في مقدمتها عجز المجتمع الدولي على إرغام «اسرائيل» وحكومتها الحالية على تطبيق الاتفاقيات الدولية والاتفاقيات الثنائية الفلسطينية- الإسرائيلية (بغض النظر عن رأينا بهذه الاتفاقيات أصلاً).
حول موضوع الاستيطان الذي ترفضه كل المواثيق والأعراف الدولية وبالتالي التساؤل الجدي حول مدى فعالية مواقف المجتمع الدولي وقدرته على إرغام «اسرائيل» على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة الخاصة بتسوية شاملة «متوازنة» (والتوازن لايعني العدل).
كما تطرح هذه الاقتراحات «الدولية» وطلبات خطوات حسن النية على الجانب العربي ضرورات عدم تخفيض سقف التفاوض مرة أخرى وخطورته، وعلى الجانب الفلسطيني ضرورة إنهاء الانقسام وتوحيد الموقف الوطني الفلسطيني وبضمنه التفاوضي بوصفه خطوة نحو تجذير المواقف العربية وفرملة المواقف الوسطية أو المترددة.
باحث في الشؤون الدولية
batal-m@scs-net.org