ها هي جائزة نوبل للأداب تمنح للشاعر السويدي توماس ترانسترومر البالغ من العمر ثمانين عاما،
وقد جاء اعلان الاكاديمية السويدية عن جائزتها للعام 2011 محبطاً للكثيرين بعكس التوقعات حيث كانت الانظار تتجه الى شاعر آخر هو الشاعر السوري أدونيس البالغ من العمر خمسة و ثمانين عاما، على أي حال الفائز هو شاعر.
يبدو أن لجنة التحكيم أرادت من خلال تتويج الشعر ان تحمل مجدداً شعلة نوبل لهذا الفن الادبي الذي بدأ ينحسر ويقال: إن الشعر لاقراء له، فالاهتمام الاكبر على مدى سنوات خلت كان بالرواية حتى في الدراسات الاكاديمية.
ثم ان فوز الشاعر توماس ترانسترومر بالجائزة هو تتويج للادب الاسكندنافي الذي استبعد عن هذه الجائزة سنوات طويلة قاربت الأربعين عاما، ما أثار ارتياحاً كبيرا في الاوساط الاسكندنافية التي شنت حربا على لجنة تحكيم نوبل في مناسبات عديدة، و تشهد الجائزة مشكلات منذ نصف قرن حيث الاتهامات بأن هناك ضغوطاً تمارس على لجان التحكيم للتنويج أدباء لهم مواقفهم بعكس الشعارات التي ترفعها جائزة نوبل لهذا يبدو أن جائزة العام جاءت للأدب الاسكندنافي كجائزة ترضية و اعتراف بهؤلاء الادباء الذين غابت أسماؤهم طويلا.
يعتبر ترانسترومر غير معروف الى حد ما في كثير من الاوساط خاصة الاوساط الفرنسية رغم أن شعره ترجم الى أكثر من خمسين لغة و يبقى هو الرجل الاكثر تميزا بين الشعراء الاسكندنافيين الأحياء.
ولد ترانسترومر في 15 نيسان عم 1930 في استوكهولم وتربى على يد والدته بعد انفصال والديه المبكر، كانت بداياته تقليدية طبيعية لكنه تحول بعد ذلك الى شخصية غامضة تناول مواضيع لم يتطرق اليها أحد.
بدأ كتابة الشعر و هو في المرحلة الاعدادية و أصدر أول مجموعة شعرية عام 1954كانت عبارة عن سبع عشرة قصيدة.
تخرج من جامعة استوكهولم عام 1956 كمحلل نفسي وله دراسات في التاريخ و الادب و الدين.
عاش مع أرباب السوابق
عمل في جامعة استوكهولم قبل ان يبدأ اهتمامه بالشباب المنحرف في المعاهد الخاصة لهم، كما التزم طوال حياته بالاصلاح الاجتماعي حيث عمل على معالجة مدمني المخدرات والمحكومين ايضا وقد عمل كثيرا على مساعدة المعوقين.
يعتبر ترانسترمور من أهم الشعراء الاسكندنافيين الملهمين في العصر الحديث اذ تميز شعره بالاستعارة والمجاز مع وضوح الصورة فهو يقدم مشاهد بسيطة من الحياة اليومية.
كان صديقا للشاعر روبرت بلي الذي ترجم قصائد ترانسترومر الى الانكليزية، ايضا من الشعراء الذين ترجموا شعره روبن فولتن حيث ترجم مجموعته الشعرية الكاملة الى اللغة الانكليزية وأسماها «مجموعة القصائد الجديدة» نشرت عام 1987 ثم أصبحت في العام 2006 (الاحجية الكبرى: مجموعة القصائد الجديدة) بعد اضافة المزيد من شعره اليها.
طلب اليه في سبعينات القرن الماضي أن يضمن أشعاره مواضيع سياسية و لكن من الواضح أنه بقي بعيداً عن السياسة.
في عام 1990 أصيب الشاعربنزف دماغي مفاجئ أدى الى شلل في طرفه اليمين غير أنه تابع كتابة الشعر و العزف على البيانو بيده اليسرى رغم انكفائه عن الحياة.
يقول ترانسترومر: أنا المكان الذي ينطلق منه الابداع، فمن يقرأ شعره يلمس البعد الروحي لديه والولوج الى أعماق النفس البشرية.
في عام 1993 نشر فولتن سيرة ترانسترومر الذاتية و أسماها «انظري الي أيتها الذكريات» نال عدة جوائز قبل نوبل منها جائزة بيلمان عام 1966 ثم جائزة أوفراليد.
نشر في احدى جزر البلطيق خمس عشرة مجموعة شعرية و في فرنسا نشرت أعماله عند كاستور أستراك.
وعشية فوزه بجائزة نوبل تبين من خلال احصائية أجريت أن 88% من الناس لم يقرؤوا شعره.
***
رحلــــة العطـــــاء
ولد توماس تران سترمر على بقعة نورٍ اسكندنافيٍّ في الخامس عشر من نيسان 1931, في مدينة النوارس والجسور «استوكهولم».
انفصل والداه وهو طفل, فتربى وترعرع في كنف والدته في حي «سودر» وسط استوكهولم. أبدى توماس ولعه بالشعر والموسيقى باكراً خلال دراسته في ثانوية سودرا لاتين, في الثالثة والعشرين باشر بدراسة تاريخ الأديان وتاريخ الأدب وعلم النفس في جامعة استوكهولم التي تخرج منها سنة 1956.
في الثامن والعشرين من شهر تشرين الثاني 1990 أصيب توماس بشلل نصفي بسبب جلطة دماغية أفقدته القدرة على النطق، يعتبر توماس من أهم الشعراء السويديين المعاصرين والمرشح الدائم لجائزة نوبل، ترجمت أعماله لأكثر من خمسين لغة، حصل على الكثير من الجوائز السويدية والعالمية أهمها:
- جائزة نويشتادت الدولية للأدب (الولايات المتحدة الأميركية).
- جائزة الأكاديمية السويدية لدول الشمال 1991 (نوبل الصغرى).
- جائزة التاج الذهبي 2003(مقدونيا).
- جائزة نونينو الايطالية2004.
- جائزة نجم الدب الاكبر2004 (الصين).
من أعماله
- سبع عشرة قصيدة 1954
- أسرار على الطريق 1958
- السماء النصف مكتملة 1962
- أنغام و آثار 1966
- بحار البلطيق 1974
- حاجز الحقيقة 1978
- الساحة الوحشية 1983
- للأحياء والموتى 1989
- الذكريات تراني (نثر) 1993
- رؤية في الدجى 1970
- دروب 1973
- جندول الأسى1996
- اللغز الكبير
- تسع قصائد هايكو من سجن هلبي للقاصرين 1959
أسرارٌ على الطريق
أصابَ ضوءُ النهارِ وجهَ أحدِ النائمين
حظي بحلمٍ أكثرَ حيويةً
غيرَ أنهُ لمْ يستفق.
أصابت العتمةُ وجهَ أحدِهم
كانَ يسيرُ وسطَ الآخرين
تحتَ أشعةِ شمسٍ قويةٍ متعجّلة.
اكفهرّت بغتةً لمطرٍ مدرارٍ همى
وقفتُ في غرفةٍ اتسعت لكل اللحظات -
متحفِ فراشاتٍ.
والشمسُ كسابق عهدها قويةٌ
ريشتها المتلهفةُ تصبغُ العالم
السماءُ النصفُ مُكتملةَ
يُوقفُ الصمتُ عَدوَهْ
يُوقفُ الهم عَدوَهْ
توقِفُ الحدأةُ هروبَها
يتدفقُ الضوءُ المتحمّسُ,
حتى الأشباحُ ترتشفُ جرعةً.
تُقبلُ رسومنا مع النهارِ,
الحيواناتُ الحمراءُ لمراسمِنا من العصرِ الجليدي.
تتلفتُ الأشياءُ كلها
نمضي بالمئاتِ تحت الشمسِ
كل امرئٍ بابٌ نصفُ مفتوحٍ
يفضي إلى غرفةٍ للجميع.
تحتنا الأرضُ اللامتناهية.
يضيءُ الماءُ بين الأشجار.
البحيرةُ نافذةٌ تُطلّ على العالمِ.
جولة نغم
عبرَ قريةٍ أقودُ سيارتي ليلاً, تُقبلُ
لأضوائها البيوتُ - مستيقظةً, تودُ الشربَ.
بيوتٌ, اسطبلاتٌ, لافتاتٌ, عرباتٌ سائبةٌ – بيدَ أنها الآن
ترتديَ الحياة. – ينام الناس:
ينامُ بعضُهم بطمأنينةٍ, لآخرين منهم وجوهٌ بتقاطيعٍ متوترةٍ
كمن يخضعُ لتدريبٍ أبديٍّ قاسٍ.
لا يجرؤون على تركِ شيءٍ وإن كان نومهم ثقيلاًٌ.
يخلدون للراحة كحواجزَ تهبط حينما يولّي اللغزُ مدبراً.
خارجَ القريةِ يمضي الطريقُ طويلاً عبر أشجارِ الغابة.
والأشجارُ الأشجارُ تخطو صامتةً بحللٍ متناغمةٍ.
بلون مسرحي تجده في الأرواح المتقدة.
كم تبدو أوراقُها جليةً ترافقني إلى عقرِ داري.
مستلقياً لأنامَ, أشاهدُ صوراً
وأشكالاً مجهولةً ترسمُ نفسها خلف الأجفانِ
على حائطِ الدجى. في الشرخ بين الحلم واليقظةِ
تسعى رسالةٌ كُبرى عبثاً إلى التغلغل بينهم.
بعد موتِ أحدهم
حدثت صدمةٌ
خلّفت وراءَها ذَنَبَاً شاحباً
براقاً وطويلاً لنيزكٍ
يستضيفنا. جاعلاً صورَ التلفازِ مغبشةً
يستقر كقطراتٍ باردةٍ في الأقنية الهوائية
مازالَ بمقدورِ المرءِ التزلج بزحافاتٍ
تحتَ شمس الشتاء, بين الأحراجِ
حيث ماتزال أوراقُ العامِ المنصرمِ معلقةً.
تشبه أوراقاً ممزقةً من دليل هواتفَ قديمٍ
التهمَ البردُ أسماءَ المشتركين فيهِ
جميلٌ أن نشعرَ بأنَ القلبَ مازالَ ينبضُ.
لكننا غالباً ما نشعرُ بأنَّ الظلَ
أكثرُ واقعيةً من الجسدِ
يبدو الساموراي غيرُ ذي أهميةٍ
إلى جانبِ مئزرهِ المُعدِ
من حراشفَ التنينِ السوداءِ.