وبالتالي يمكن الاستنتاج بأن إيران لا تهدد الولايات المتحدة أو أي أحد آخر لذلك فإن ادعاء الولايات المتحدة بأن إيران تهدد أمن الولايات المتحدة أو أمن أوروبا, لا يستند إلى أساس دقيق وهذا يقودنا إلى استنتاج آخر, وهو أن إنشاء منظومة استراتيجية أميركية للدفاع المضاد للصواريخ في بولندا وتشيكيا ليس له ما يبرره, وبالتالي فإن هذه المنظومة, في واقع الأمر, ليست مخصصة للدفاع من الهجوم الإيراني المفترض, وفق الرواية الأميركية, بل لإضعاف قدرة قوات الردع النووية الروسية المرابطة في المنطقة الوسطى من أراضي روسيا, وهذه الحقيقة يمكن تفسيرها بكل بساطة, بأن إيران عاجزة عن قصف أوروبا بالصواريخ لأنها لا تمتلكها أصلاً, ولهذا فإن روسيا قد عبرت مراراً عن اعتراضها الحازم لنية الولايات المتحدة بنشر صواريخ الاعتراض في بولندا ومحطة الرادار العامة على الترددات العالية في تشيكيا. صحيح أن فلاديمير بوتين قد أعرب عن شيء من التفاؤل, عندما التقى الرئيس بوش في سوتشي, معتقداً بإمكانية التوصل إلى اتفاق نهائي مع الولايات المتحدة حول منظومة الدفاع المضاد للصواريخ, إلا أن روسيا لا ترى أية بوادر مشجعة لذلك الاتفاق.
واليوم كما كان من قبل فقد تقدمت روسيا وبالاتفاق مع الناتو بإنشاء منظومة أوروبية للدفاع المضاد للصواريخ بمشاركة الولايات المتحدة والناتو وروسيا, وهذه المنظومة مغايرة تماماً لتلك المنظومة الأميركية, لأن المنظومة الأوروبية للدفاع المضاد للصواريخ, والتي يطلق عليها أحياناً منظومة مسرح العمليات الحربية, مخصصة لمقاومة الصواريخ البالستية المتوسطة والقصيرة المدى, التي تحلق لمسافة تتراوح بين 500 و5500 كم, ولا تزيد سرعتها القصوى على 5كم/ ثانية, بينما تخصص الثانية لاعتراض الصواريخ الاستراتيجية التي يتجاوز مداها 5500 كم والتي تطير رؤوسها الحربية بسرعة تزيد على 5 - 7 كم/ ثانية وخاصة في الجزء الأخير من خط سيرها.
ويشترك الخبراء الروس بمن فيهم العسكريون بنشاط في تطوير المنظومة الأوروبية للدفاع المضاد للصواريخ ضمن أطر المجلس المشترك بين روسيا والناتو وذلك لأن روسيا شأنها شأن الولايات المتحدة لا تمتلك الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى والتي تم التخلص منها ومن مصانع إنتاجها منذ عام 1991 بموجب معاهدة تصفية الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى. ونشير إلى أن خطر استخدام مثل هذه الصواريخ وارد فعلاً وخاصة ضد جنوب أوروبا (اليونان) بلغاريا, رومانيا, وإيطاليا وفرنسا وبالمناسبة هناك العديد من الدول في الشرق الأوسط وشمال افريقيا تمتلك حالياً صواريخ بالستية ذات مدى ألف كم وأكثر تصنع محلياً أو تستورد.
إن مبدأ التعاون بين روسيا والولايات المتحدة والناتو في تطوير منظومة الدفاع المضاد للصواريخ في مسرح العمليات الحربية لايثير الشك, وموسكو مستعدة لمثل هذا التعاون شريطة احترام المصالح الوطنية والاقتصادية لكل أطرافه وحماية حقوق الملكية الفكرية لمصممي التقنيات القتالية. وفي هذه الحالة فقط لن يكون هذا التعاون خطراً على أي طرف من الأطراف ولا على أي دولة أخرى, وإذا ما أصرت الولايات المتحدة على مشروعها الخاص, فإن ذلك لايثير فقط الشكوك والنوايا غير الحسنة, بل يشكل تهديداً لروسيا وحلفائها وبالتالي ستجد روسيا نفسها مضطرة لاتخاذ كل ما يلزم لحماية أمنها الوطني وأمن المنطقة!!.
2008/6/2