وقد أدار هذه الندوة الدكتور فايز الحاج أستاذ الصحة النفسية في جامعة دمشق وعضو المجلس العالمي الاسلامي للإعاقة والتأهيل ليقول: بداية لاشك أن التربية وجدت منذ أقدم العصور..نعم لقد وجدت التربية منذ أن وجدت أسرة بشرية ووجد آباء وأمهات وأبناء..ومن شروط التربية أن تنمي شخصية الطفل من الناحية الجسمية والعقلية والخلقية حتى يصبح الطفل قادراً على التكيف مع الحياة ..ومن حق الطفل أيضاً أن نكسبه هوية مستمدة من ثقافته, وحين نتحدث عن ثقافة الطفل فنحن لانتحدث عن ترف فكري وإنما عن ضرورة من ضروريات الحياة,وعلى هذا فإن ثقافة الطفل تشمل عاداته وأفكاره وقيمه وأدواته وملابسه و كل مايتميز به أسلوب الحياة السائد من النواحي المادية والمعنوية التي يستطيع الطفل استيعابها وتمثلها في كل مرحلة من مراحل عمره.
حضاري السلوك
وعما يمتاز به الطفل المثقف أردف د.الحاج يمتاز بحصانة ضد الثقافات الوافدة ,كما أن لديه اعتزازاً بقيمه, ولديه ولاء لوطنه ودينه وقوميته فالطفل الثقافي حضاري السلوك وإذا استعرضنا تاريخ التربية عند قدماء الرومان والاغريق فإن القاسم المشترك للعمل التربوي هو تنمية شخصية الطفل وإن كان التباين في التركيز على الجانب الجسمي تارة أو العقلي تارة أو الخلقي والروحي تارة أخرى.ولعل المثال النموذجي لهذا التباين بين أثينا واسبارطة تم حسم هذا الصراع السفسطائي على يد سقراط (400 ق.م)بأن أعاد إلى العقول ثقتها بالحقيقة والمعرفة وايمانها بالفضيلة والخير,وآمن بأن الفضيلة لاتكون إلا بالعلم والتربية التي تبدأ من الأسرة.
ولاأحد ينكر أهمية الأسرة ودورها في تربية الأبناء ودورها في اصلاح المجتمعات ,وإن عملية الاصلاح الاجتماعي تبدأ من تربية (رجل الدولة) جمهورية أفلاطون لهذا فقد وصف جان جاك روسو جمهورية أفلاطون بأنها أجمل ماكتب في التربية لأنه يعطي الدور التربوي للآباء والأمهات في تربية الأجيال الناشئة ويؤكد هذا المعنى الفارابي في المدينة الفاضلة, فالتربية علم وفن ,ومنهج وطريقة وأدوات وأساليب.
متى نبدأ
والسؤال المتبادر إلى الذهن هو:من أين نبدأ بالعملية التربوية?ومتى نبدأ?
كان المربون يقولون قبل ثلاثين عاماً إن تربية الطفل تبدأ في لحظة ولادة المولود أي منذ لحظة تلقح البويضة وتخلق النطفة وإحساس الأم بثبوت الحمل.ومنذ أن قام توماس فيرني وجون كلي عام 1980 بنتائج الدراسة الوثائقية حول الحياة في بطن الأم حيث شوهد بالتنظير الرباعي أن الجنين يفرح ويألم وتظهر على وجهه وحركات جسمه علائم الفرح والسرور والانشراح والألم والانزعاج وأثناء عزف معزوفة موسيقا هادئة قدمت لأمه شاهدوه يهدأ كمن ينصت ويبدو عليه الانشراح وخلاف ذلك قدموا للأم موسيقا صاخبة فشاهدوه يضطرب وينفض بيديه ورجليه ويبدو عليه الانزعاج ..وبالمقابل تم تسجيل نشاط الدماغ أثناء قراءة مواد هزلية أو مشاهدة فيلم كوميدي مضحك فتبين ان الدماغ يرسل اشارات عالية من الرضى والاسترخاء في حالة الضحك (افراز الأندروفين) وهي المادة الباعثة على النشوة والراحة والرضى للأم..وفي المقابل أيضاً عندما نقرأ القصص العنيفة المملوءة بالقلق والخوف والتوتر أو مشاهدة فيلم بوليسي (افراز هرمونات الضغط النفسي كالأدرينالين) وهي التي تعلو نسبتها في حالات الخوف أو الغضب أو الكراهية والعدوانية التي تتعرض لها الأم الحامل.
لهذا أسمعوه بعد الشهر السابع أصوات رجال كثيرين فرأوه يبتهج ويظهر سروره لسماع صوت أبيه ويبدو أنه ميزه وتعرف على لهجته, وحينما تعمد الأم الحامل للتدخين فإنه يظهر انزعاجاً شبيهاً بانزعاجه حيال الموسيقا الصاخبة حيث يركل أمه برجليه بركلات مؤلمة وبعد كل هذا ماحدا بتوماس فرني للقول:لقد غدوت قانعاً بأهمية التواصل مع الجنين حديثاً وغناءً.
تتواصل معه
ويختم ليقول د.الحاج أيتها الأم غنِ لولدك وتحدثي معه وإياك أن تبالي بسخرية أحد, وحماية الجنين تتطلب منك ضبط نفسك والمحافظة على هدوئك ومشاعرك واستمرار سيطرتك على نقاوة أفكارك وتقبلك الحمل بقبول حسن واستعدادك كي تنبت نبتة حسنة وتتواصلين معه بكامل وعيك وترسلين إليه في سرها أجمل العواطف.
كما بوسع الأم الحامل أن تشترك مع ابنها في الدعاء والصلاة حين تشكر الخالق الجميل فهي جديرة بأن تحس الشكر يملأ أعطافها ويفيض من ذات نفسها وأعماق حجيراتها من دماغها النشيط ومن لحمها ودمها وقلبها النابض في نزهاتها وتأملاتها حين تتأمل غروب الشمس وسعة البحر وعذوبة الصباح والمساء ,ولتحس أنها من خلال تأملاتها العذبة تدفع إلى الجنين بموجات تملأ كيانه وتستغرق حياته بالجمال والإيمان.