فهي شيء نسبي ,وما يسعد شخصاً ربما يكون شيئا عاديا بالنسبة للآخرين فربما كانت السعادة بالنسبة لشخص في المال وبالنسبة لآخر في المركز العلمي والإنجاز الذي يستطيع تحقيقه لنفسه ,وقد يرى البعض سعادته في لقاء من يحب والعيش معه أو قربه وثمة من يعتبر التمتع بالصحة الجيدة من أهم الأشياء التي تجعله في قمة السعادة وهناك من يرى أن انشغاله بعمل منتج أو نشاط يقوده إلى طريق السعادة باستمرار.
من هنا نرى أن كلمة (السعادة) ذات أبعاد عديدة في معانيها كما أن معنى السعادة يبقى نسبيا في مداه حيث لا توجد سعادة لإنسان تعادلها نفس السعادة ومن نفس الدرجة حتى بين الزوجين السعيدين ولا سيما إن كل نفس تختلف عن الأخرى في بعض الجزئيات على أقل تقدير.
ولذلك عندما قررنا البحث عن مفاتيح السعادة لدى الناس وذهبنا إليهم في مختلف مواقع عملهم وفي بيوتهم كانت لدينا أسئلة اعتبرناها مفاتيح أيضا للحوار معهم حول مفهوم السعادة, والأمر بطبيعته يطرح مثل هذه الأسئلة ومنها على سبيل المثال,ما تعريف السعادة وما معنى السعادة وهل مصدر السعادة الشخص نفسه أم ما يحيط به من ظروف وأشخاص, ثم كيف يختلف معنى السعادة من إنسان إلى آخر? وما متطلبات السعادة? ما مفهومك للسعادة التعيسة وهل هناك سعادة يمكن أن تبنى على حساب الآخرين وكيف..وإلى ما هنالك من تساؤلات?.
ولعل الأمر الآخر الذي يشد الانتباه في هذا التحقيق الصحفي هو أن البحث فيه لم يقتصر على مكان واحد فقد امتد من الحسكة إلى دمشق وأيضا لم يقتصر على مجرد آراء ووجهات نظر وإنما تجارب شخصية ووقائع ميدانية إضافة إلى الاستفادة من بحث اجتماعي قدمه أحد الباحثين المهتمين كما سنرى في سياق هذا التحقيق الصحفي.
لكن وقبل أن نستعرض الآراء والأفكار والإجابات على الأسئلة التي طرحناها ثمة ما يجب التوقف عنده وهو يتعلق أيضا بمفهوم السعادة وأسبابها ومقوماتها.
فقد كشف استطلاع للرأي أجرته وحدة مختصة للأبحاث بهدف معرفة ما إذا كان في الإمكان أن تنعكس آثار السعادة بالإيجاب على البشر,وخرجت الدراسات التي أجريت على الاستطلاع من قبل علماء النفس بحقيقة مؤكدة تتمثل في أن السعادة يمكن لها أن تحسن من نوعية حياة الإنسان حيث ثبت أن السعادة يمكن أن تلعب دورا مهما في تحسين النواحي العاطفية والبدنية والصحية وأن هؤلاء الذين ينعمون بالسعادة يمتلكون أجهزة مناعة أقوى ويعيشون أعمارا أطول ويمتلكون طاقات في أعلى مستوياتها كما أنهم يستخدمون ذكاءهم بشكل أفضل وبكفاءة أعلى, كذلك تنعكس آثار السعادة على المستمتعين بها في أماكن عملهم حيث يكونون أكثر قدرة على الإبداع المتميز وتكون نسب إنتاجيتهم ورواتبهم أعلى, كما أنها تنعكس أيضا على حياتهم الاجتماعية حيث يتمتعون بصداقات أوسع وعلاقات زوجية أفضل ودعم اجتماعي أقوى وتفاعل اجتماعي أكثر غنى ومع توفر هذه اللائحة العريضة من المزايا يصبح من غير المستغرب أن يبحث البشر عن وسائل مبتكرة من أجل رفع مستويات السعادة التي ينعمون بها.
ومن بين الأمور الأساسية التي كشف عنها هذا الاستطلاع أن عوامل إسعاد البشر تختلف من بلد إلى آخر لكن تبقى الأسباب الرئىسية وتشمل الطبيعة المتفائلة للمرء والانتماء إلى عائلة محبة متماسكة,الاستقرار الأسري,والأصدقاء الأوفياء الرائعين ,الرضا الكامل عن العمل الذي يقوم به والاستقرار المالي والمهني ووفرة الدخل المادي والصحة الجيدة والنجاح المهني وتحقيق الأهداف الشخصية والآن ماذا قال لنا الذين التقيناهم حول السعادة?.
السعادة فعل اجتماعي
محمد باقي- أديب وكاتب من الحسكة:كثيرة هي المفاهيم والمصطلحات والموضوعات التي نتوهم بأننا قابضون عليها بالبداهة ولكن ومع أول تفكير فيها نكتشف بأنها مفاهيم ملتبسة وإشكالية,فهل السعادة هي راحة البال..هل هي الاطمئنان والأمان,أم هي الإحساس بالنشوة واللذة,أم..? أم إنها كل ما تقدم وبالنسبة لي أربط كثيرا بين السعادة وراحة البال وأن أشعر بأنني مفيد بالنسبة للآخرين وفي المصدر يتواشج الداخلي مع الخارجي طبعا هذا له علاقة بالظروف والأشخاص الذين يحيطون بك,العائلة,الأصدقاء,العمل,والمجتمع إضافة إلى إحساسك بالرضا عن الذات بأنك قمت بما ينبغي أن تقوم به, فثمة من يربط بين السعادة والمال وآخر يربطها بالجاه وثالث يربطها بالطمأنينة وخلو البال وعليه فهي سعي نحو الاكتمال كل من موقعه ورؤاه ,والنجاح يعزز السعادة,هو إذا يجعلك منسجما ومتناغما مع ذاتك,السعادة فعل اجتماعي وبالتالي فالحديث عن عواملها التي تجعلها مستمرة على درجة كبيرة من الصعوبة.
وفاء ناصيف-مدرسة من دمشق:
وصفت السعادة بأنها شعور بالانعتاق من كل ضيق سواء في الوقت أو المكان-في الصحة-في المال والعائلة..والحب ,والذي يجعلني سعيدة هو ما يخلصني من الضيق والرضى والامتلاء بالحب في عيون من أتعامل معهم ,وفي قناعتي هناك الكثير من ا لأشخاص الميالين بطبعهم للكآبة ولكن مهما كان استعداد الإنسان للسعادة والأمل فللظروف والأشخاص دور كبير في استمرارها.
والسعادة كالجمال مفهوم نسبي فقد يسعد أحد بالمال وآخر تسعده الروحانيات والبعض تعذيب وضرر الآخرين وربما أسباب ذلك تعود إلى البيئة-الثقافة-الحرمان-ودرجة الإيمان بالله ولا شك في أن النجاح يعطي شعورا بالرضا أما الفشل فيجعلني أكثر تحديا للمحاولة من جديد وقد يتعبني ذلك.
وفي كل عمل هناك جانب مظلم وجانب سعيد فرغم شعوري بأن طموحي أكبر من مهنتي ولكن وبصدق سعادتي في حب طلابي وإعجابهم بي وقربهم مني يعطيني شعورا بأهمية وجودي.
ميسون أحمد-طالبة جامعية:
تختلف السعادة بحسب شخصية الإنسان وطبيعته وطبيعة مشاكله وهمومه واهتماماته وعمره, فالشخص المريض سعادته أن يشفى والعاطل عن العمل سعادته أن يجد عملا وأهم شيء لتحقيق السعادة أن يكون الشخص بطبيعته قادرا على خلقها ورؤيتها ولو من زاوية صغيرة في حياته فالشخص الميال بطبعه للحزن والاكتئاب لن يجد شيئاً مفرحاً في غمرة متاعب الحياة.
الإرادة تدفعنا للتغلب على المصاعب وللتفاؤل والإحساس بالنعم التي ننعم بها كالصحة..و..ولا توجد سعادة مطلقة فمهما كنت سعيدة تمر لحظات أشعر بأمور كثيرة تنقصني وتعكر سعادتي فهنا دور الإرادة في مدى استمرار هذا الشعور فأشغل نفسي كي لا أستسلم لهذا التفكير وتتجلى السعادة التعيسة في أن يوهم الشخص نفسه أنه سعيد وهو في حزن شديد ليتناسى الألم الذي بداخله.
موفق عابدين-معلم:
يمكن القول إن السعادة هي الفرح والشعور بالرضا وما يبحث عنه الإنسان هو الفرح وإذا أراد أكثر منه ضاع في متاهة البحث عن شيء لا وجود له.
وهناك أشياء كثيرة قد تجعلني سعيدا مثل القدرة على تحقيق الطموح أو النجاح المادي وأحيانا العاطفي بل وأحيانا بما أقدمه للناس من خدمة وفائدة.
أما مصدر السعادة فهو الشخص نفسه وما يحيط به من ظروف وأشخاص معا ويختلف معنى السعادة من إنسان إلى آخر باختلاف قيم الإنسان التي يؤمن بها ودرجة ثقافته ووضعه المادي والوظيفي والاجتماعي.
عبد الرحيم محمد-مرشد اجتماعي:
السعادة كنز ثمين موجود في مكان ما ولكن الوصول إليه لا يحتاج إلى خريطة بل يكفي أن تتبع قلبك وسيهديك إلى ذلك المكان ,ولكن السعادة شيء نسبي والإنسان قادر على إسعاد كل من يتعامل معهم,والسعادة شعور داخلي يتمثل في سكينة النفس وانشراح الصدر وراحة الضمير.
إن الذهاب إلى منتزه للتسلية أو حضور مباراة بكرة القدم أو مشاهدة فيلم سينمائي كل هذه النشاطات توفر لنا الاسترخاء والمتعة والارتياح لكنها لا تأتينا بالسعادة لأن آثارها مؤقتة و تزول مجرد زوال الوسيلة.
الوراثة والسعادة:
الدكتور حمدي خشان مدير (المركز الدولي للبناء الإنساني) عضو هيئة البورد الأمريكية لعلوم الإدارة والعلوم النفسية رغب أن يبدأ حديثه لنا من مسألة تأثير الوراثة في خلق إنسان أكثر ميلا للسعادة, فهو يرى إن تأثير الوراثة فقط بنسبة 2% أما ال 98% فتخضع لعدة عوامل منها البيئة بما فيها (الأبوين-الأسرة بشكل أوسع, المدرسة-الأًصدقاء-المجتمع-المنطقة الجغرافية-الوضع الاقتصادي والإنسان نفسه) ثم الانتماء والعواطف التي نتلقاها ,السلبية أو الإيجابية والقدوة.
ويقدم الدكتور خشان إجابة واضحة عن سؤال جوهري هو:كيف نجعل السعادة عادة قائلا:
إذا كان لديك بيت يؤويك ومكان تنام فيه وطعام في بيتك ولباس على جسمك? فأنت أغنى من 75% من سكان العالم وإذا كان لديك مال في جيبك واستطعت أن توفر شيئاَ منه لوقت الشدة فأنت واحد ممن يشكلون 8% من أغنياء العالم وإذا كنت قد أصبحت في عافية هذا اليوم فأنت في نعمة عظيمة.
فهناك مليون إنسان في العالم لن يستطيعوا أن يعيشوا لأكثر من أسبوع بسبب مرضهم, إذا لم تتجرع خطر الحروب ولم تذق طعم وحدة السجن ولم تتعرض لروعة التعذيب فأنت أفضل من 500 مليون إنسان على سطح الأرض ومن نواقص السعادة سرعة التسليم بالهزيمة والتأثر السلبي بنجاح الآخرين والحساسية المفرطة وافتقاد روح الفكاهة.