فبعد الجامعة الافتراضية والتعليم المفتوح والجامعات الخاصة جاءت جامعة الفرات التي صدرت بالقرار رقم 33 ثم جاء بعدها مرسوم السيد رئيس الجمهورية رقم 139 للعام 2008 القاضي بإحداث فرع لجامعات دمشق وحلب وتشرين والبعث والفرات في كل من محافظات السويداء ودرعا وادلب وطرطوس وحماة والحسكة والرقة. الأمر الذي أصبحت فيه الجامعات وفروعها تغطي جميع بقاع سورية الغالية في ظل سياسة ديمقراطية التعليم وتوزيع انتشاره جغرافيا.كلية الآداب والعلوم الانسانية.. جامعة دمشق
والجامعة هي مؤسسة تنموية وساحة للفكر وجامعةللتكوين ومصنع للاجيال المستقبلية, واحداث جامعة جديدة في ظل المتغيرات التي تحدث في مجال العلوم والدراسات والبحوث ومتغيرات متطلبات الحياة العولمية والتعامل مع ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ومتطلبات السوق المحلي والعربي والدولي بحكم انفتاح العالم على بعضه تحمل المسؤولين عن التعليم العالي وجامعات في سورية مسؤوليات ذات حساسية خاصة , تفرضها مواكبة التطور والخلاص من الماضوية. إذ لم يعد التخطيط مجرد امتداد واتساع للماضي, أو عمل تحكمه التراتبية والانظمة القائمة المعتمدة على الروتينية إنما هو عمل بنائي ارتقائي يتطلب قدرة تطورية وتخطيطا ارتقائيا حيويا دائما يستم بالعلمية والشجاعة ونبذ الخوف من البرامج الجديدة. وإلا فإنه سيبقى متخلفا عن الركب, يكتفي بالاعلان عن العلاقات الرقمية دون مضمون قادر على تحقيق حاجيات المجتمع والتغير العلمي التكنولوجي والحضاري الجاري في العصر القائم.
ان انتقال التعليم العالي من نظريته التقليدية التي تعكس منطلقات الماضوية الى واقع جديد تتحدد فيه وتتجدد أشكال التعليم والتعلم وطرائقه ووسائله وخطط دراسته ومناهجه وطرائق الربط العضوي بين النظري والعلمي بحيث يحقق قيمة اجتماعية وتربوية.ويؤمن متطلبات السوق بآن معاً. إن هذا الانتقال يتطلب إيماناً عميقاً بمحتوى ومضمون وطرائق فلسفة التطوير. وهنا تكمن أهمية التوسع في الجامعات وتحديث طرائق التعليم العالي.
إن هذا التوسع يحمل في ثناياه مسؤولية التطوير إذ إن التوسع لا يعني توسعا كميا من حيث العدد أو المساحة بل هو توسع تطويري يحمّل القائمين على العملية التعليمية أبعاد العملية التطويرية وتجذير العملية التعليمية بأسسها وآفاقها الجديدة التي انتقلت من نظرية التعليم إلى نظرية التعلم والتي رفعت في الوقت نفسه مفاهيم الجودة والتنافسية ونتائجها في الاعتمادية وكل تفرعاتها.
إن مفهوم الجامعة كما بينت هو مفهوم كبير ومسؤولية تتجاوز حدود التقديرات الملحوظة في أبعادها التنظيمية, ولعلنا نستطيع أن نتبين ذلك مما حملته جامعة دمشق وبعدها جامعة حلب وماتلاها من جامعات في تطوير الحياة العلمية والثقافية والفكرية بشكل عام في الحياة السورية مقابل بعض التأثيرات السلبية من تدني بعض حالات المستويات التعليمية بالرغم من حصول بعض الخريجين على شهاداتهم.
إن المشكلة الأساسية هي في المسؤولية التنظيمية والإدارية على الحياة الجامعية سواء في استقلالية العمل الأكاديمي أو بالحريات الأكاديمية أو في أوضاع أعضاء الهيئة التدريسية وتأمين مستلزماتهم التدريسية والبحثية ومتطلبات حياتهم العامة بحكم دورهم الريادي في الحياة الجامعية, يضاف إلى ذلك بالطبع مستلزمات الجامعات من أبنية وقاعات ومختبرات وملاعب ومسارح واتصالات ومستوى التأهيل والكفاءة الإدارية للمسؤولين من القطاع الإداري.
إن إدارة الجامعات وإدارة التعليم العالي هي عملية في غاية الأهمية والإشكالية بآن معاً, وخاصة أمام المسؤوليات التي ترتبها عمليات التوسيع التطويري التي تنفذها الدولة وفق سياسة التطوير, الأمر الذي يعطي هذه الإدارات فرصة لإظهار مقدرتها في حمل المسؤولية, ويخلق في الوقت نفسه مجالات التنافسية العلمية الشريفة فيما بين الجامعات الحكومية أو بين الجامعات الحكومية والخاصة.
إن الجودة في العملية التعليمية, والتي يتحدث عنها خبراء التربية ويضعون لها الشروط والمعايير, هي عملية ذات أبعاد كبيرة من خلال أعضاء الهيئة التدريسية وأنظمة مراقبة الجودة التي تتشكل في إدارة التعليم العالي أو مجلس التعليم العالي.
فإذا كان قانون تنظيم الجامعات بصيغته الجديدة قد أعطى مزايا متطورة نسبياً عما كان عليه الأمر في السابق لأعضاء الهيئة التدريسية فإن ما يتحمله أعضاء الهيئة في الوقت نفسه أصبح كبيراً جداً ولاسيما في نطاق التأهيل الذاتي والاخلاص في العمل وفتح مجالات العلاقة الثقافية والعلمية مع الطلبة في مرحلتي التعليم الجامعي الأول أو العالي.
فإذا كان تطوير التعليم العالي في مجال الدراسات العليا قد بدأ في إلغاء مرحلة الدبلومات فإن مسؤولية الإشراف العلمي لاعضاء الهيئة التدريسية هي مسؤولية ذات شفافية عميقة تبرز مقدار ما يمكن أن تقدمه برامج الدراسات العليا من نتائج في مجالات البحث العلمي ولاسيما في مرحلتي الماجستير والدكتوراه.
وهنا أريد أن أؤكد على العلاقة المشتركة بين الطالب والاستاذ المشرف فقد يكون صحيحاً أن أية رسالة تخرُّج تعبر عن مقدرة الطالب وعمله العلمي إلا أن تأثيرات الاستاذ المشرف وبصماته تبقى ذات فاعلية خاصة في فتح مجالات الابداع والطاقة العلمية والثقافية عند الطالب.
ومن هنا فإن الجامعات ذات الشهرة والمكانة العلمية تفاخر بأساتذتها الذين خرجوا كبار الأدباء والعلماء الذين قدموا لمجتمعاتهم وللبشرية نتاجاً ابداعياً مميزاً حاز الكثير من الجوائز والتقديرات, فهل تثبت هيئات الجودة والاعتمادية وإدارة الجامعات والكليات قدرتها على مواكبة عملية التطوير التي تجري ضمن مسيرة التعليم العالي السوري?
سؤال كبير أضعه أمام المسؤولين عن مسيرة التعليم العالي وقد تكون تفاصيله بحاجة إلى كثير من التفريد والتحليل!.
ˆ د. فادية المليح حلواني
كلية الآداب والعلوم الإنسانية - جامعة دمشق