بإصداره كتاب» أرسطو في مون سان ميشيل, الجذور اليونانية لأوروبا المسيحية« حيث يشكك في كتابه هذا بالمصدر الذي استقت منه أوروبا الفلسفة اليونانية... البعض اعتبر أنه قد يكون تصحيحاً لحقائق موروثة وأهمها الحقيقة الدامغة بأن الحضارة العربية الإسلامية لها فضل كبير على الثقافة الأوروبية بينما اعتبر آخرون من المختصين بالعصور الوسطى إن كلامه ضرب من التزوير والإدعاءات التي لا تخفى أهدافها على أحد وهي معروفة منذ زمن بعيد, وقد ذهب البعض منهم إلى اتهامه بأنه يعطي دفعاً ما إلى حرب صليبية جديدة لليمين المتطرف, واعتبر النقاش الذي يدور حول طريقة استقاء الفلسفة اليونانية نقاشاً بيزنطياً لا يفضي إلى أي نتيجة, وأثار جدلاً كبيراً- واحتل مساحات واسعة من صفحات الجرائد في الفترة الأخيرة- بين من يقول إن الثقافة الفرنسية لا تدين لأحد وبين من يصّر على الاعتراف بأن الغرب المسيحي يدين بأكمله للحضارة العربية الإسلامية.
ستة وخمسون باحثاً من بينهم آلان دوليبرا ورودي امباش وباربارا كاسين نشروا بياناً في صحيفة ليبراسيون في 30 نيسان الماضي يبدون فيه استغرابهم من عبارات الشكر التي قدمها مؤلف هذا الكتاب إلى رينيه مارشان المؤرخ المعروف بقربه من اليمين المتطرف وأطلقوا عليه حكماً لا استئناف فيه عندما أعلنوا صراحة: إن تصرفه هذا ليس فيه من العلم شيء ويستند على مشروع ايديولوجي له معانٍ سياسية مرفوضة من الجميع.
ويدافع غوغينهيم عن نفسه بأنه يوجه النقد في كتابه للحضارة العربية الإسلامية من منطلق اعتقاده بأهمية حوار الحضارات وأبدى استغرابه من طبيعة الانتقادات اللاذعة التي وجهت له.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه فعلاً هل احتفظت أوروبا بعلاقة مباشرة مع الفلاسفة اليونانيين أم تعرفت عليهم بواسطة الثقافة العربية الإسلامية ? بعد أن بقوا منسيين على مدى ثمانية قرون?... الحاقدون على الثقافة العربية الإسلامية وجدوا في كتاب غوغنيهيم غطاءً لهم كي يعترضوا على الفكرة السائدة والقائلة إن الجامعات الأوروبية اكتشفت أرسطو في القرن الثالث عشر عبر مؤلفات ابن رشد كما اكتشفت الطب اليوناني عبر مؤلفات ابن سينا. ويسوق غوغينهيم حججه ليعترض على هذه الحقيقة باكتشافه أن كهنة الغرب لم يفقدوا الاتصال مع النصوص اليونانية القديمة عندما تخلى المثقفون عن الثقافة اللاتينية فأقام هؤلاء الكهنة حلقات وخاصة في بيزنطه ليترجموا الفلاسفة اليونانيين كما فعل جاك دوفينير أثناء إقامته في دير مون سان ميشيل حيث الورشة الأكثر نشاطاً وبحوزتها النسخ الأثمن في الغرب وحيث تمت ترجمة أغلب مؤلفات أرسطو من اليونانية إلى اللاتينية في أواسط القرن الثاني عشر, يقال:
إنه حتى في المجتمع الإسلامي نفسه برز نشاط الكهنة من خلال أعمال الترجمة التي قامت بها الطوائف المسيحية السريانية ومنهم يوحنا ابن مساواي الطبيب وعالم المنطق المعروف في القرن الثامن الميلادي زمن الخليفة هارون الرشيد كذلك قام تلميذه حنين ابن اسحق بالعمل ذاته , كما أن دار الحكمة التي أقامها العباسيون في القرن التاسع الميلادي كانت مخبراً ناشطاً لترجمة الفلاسفة اليونانيين وكانت إدارته تتألف من مسلم إيراني ويهودي ومسيحي. إلا أن الكاتب يعترض على هذه الفرضية ويعتبرها إحدى قصص ألف ليلة وليلة ما أثار حفيظة المثقفين وفي طليعتهم زملاؤه في المعهد العالي للأبحاث الذين أرادوا في بيان أصدروه أن يتبرؤوا من طروحاته التي لا أساس لها وأن يدافعوا عن المكانة المضيئة للثقافة العربية الإسلامية ودورها في الحضارة الإسلامية واعتبروا أن ما قام به زميلهم هو موقف أراد به التعبير عن توجه ايديولوجي لا علاقة له بالعلم.