تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


هادي دانيال: أنا شاعر صنعته ينابيع إحساس عال

شؤون ثقا فية
الأحد 8/6/2008
ديب علي حسن

لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ربما كان شعارا اتخذه هادي دانيال منذ يفاعته حين شعر أن المكان ضيق والأفق واسع شامخ والنفس تواقة إلى اللامحدود فإذا به يضعه شراعه ويبحر في الاتجاهات كافة لم يعجبه مرفأ لحين من الزمن بل آثر أن يجوب آفاقا جديدة كلما صدأت الروح أقلع باتجاه غيب آخر وحين يصبح مألوفا يكرر الرحلة.

هادي دانيال ولو من باب التذكير شاعر سوري ولد في قرية (كفرية) اللاذقية سنة 1956م تنقل بين عواصم عربية وغربية كان قد غادر دمشق سنة 1973 إلى بيروت حيث عمل في الاعلام المقاوم وتنقل بين وسائل إعلامية عدة استقر أخيرا في تونس.‏

قدم للمكتبة العربية مجموعة أعمال إبداعية متميزة نذكر منها: رؤى الفن في مهب الرغبات, عشبة على حجر, قصائد الحرب, سداسية تغريد البطمة, بردى ووقود الجوع, موسيقا لانكسارات الرغبات, كائن الورد والنبيذ, آخر أعماله الصادرة حديثا من تونس وقد حملها البريد إلينا مذيلة بتوقيع الشاعر.‏

حمامة رصيف‏

احتفاء بإبداع هادي دانيال صدرت مجموعة دراسات عنه في تونس ومنها كتاب جميل حمل عنوان: هادي دانيال حمامة رصيف العالم.. حوار.. قصائد.. شهادات ومنه اقتطفنا بعضا من إجاباته.‏

شاعر متمرد‏

يقول دانيال ردا على أحد الأسئلة: أنا شاعر متمرد ولست فوضويا بدأت مبكرا كتابة شعر سليط يمتع ويبهر المتلقي أتحدث عن قصائد شاعر السابعة عشرة الذي كنته كانت ناضجة في المعنى والمبنى تستوفي الشروط الفنية كافة حسب لغة النقد الخشبية كانت قصائد تفعيلة متقنة فأنا لم أكتب القصيدة العمودية لكنني بدأت كتابة قصيدة (التفعيلة) وما كان همي أن أكتب شكلا فنيا حديثا لكن هذا الشكل الايقاعي هو الذي فرضته روح نصي الشعري المعبرة عن روح إنسان متمرد بالمعنى الوجودي بدءاً قبل أن تتضح لهذا التمرد أبعاد سياسية وطموحات فنية وعلى قاعدة هذا التمرد الوجودي نشأت عوالم تجربتي التي تنبعث منها رائحة الحياة التي عشتها عطرة بفعل كيمياء البناء الشعري مع الشعراء والفنانين التشكيليين في دمشق أو مع الفدائيين الفلسطينيين في بيروت أو مع المحاصرين في العراق أو مع المتطلعين إلى حياة أفضل أحيانا تكتسب تجربتي خصائصها من كيفية تعاملي مع الأمكنة التي احتضنت التجربة أو مع العلاقات الاجتماعية والسياسية والثقافية والعاطفية الحميمة التي أمنتها الأمكنة أو مع العزلة فيها لكن خصائصها الأهم تكونت من انحيازي الفطري في مراحل أولى والدعم بالمعارف المتراكمة في اللاوعي التي يمتصها من الكتب والأعمال الفنية ومن الشارع وأروقة السياسة وخنادق الكفاح وأرصفة الدولة ومكاتب الثورة وهو انحياز إلى الهامشي والعادل والمظلوم والطموح والحالم ولعل من مظاهر نصي الشعري سلطته على المتلقي في الوقت الذي يكون موضوعه ومعناه الحرية إنها قوة تأثير نص تضافرت فيه القدرة على إمتاع المتلقي ومحاورته والاقتراح عليه وهذا متأت كما أحسب من كوني أكتب ذاتي الموضوعية شعرا أو أكتب شأنا عاما تنزل في عقلي ووجداني منزلة ذاتية في لحظة تخلق شعري ولئن بدا نصي جديدا فلأنه خلال اندفاعه وتخلقه الابداعي متدفقا اتخذ شكلا خاصا كنهر يحضر مجراه وأنا نهر لم تضعه سيول أو فيضانات من خارجه بل ينابيع احساس عال تدفقت من ذاته ورفدتها تجربته الحياتية والثقافية.‏

أما ثغرات تجربتي التي أضعفت بعض مراحلها الكثيرة كان أبرزها طغيان الهاجس السياسي لدرجة أنني كتبت مقدمة لدراسة لم أنجزها تقول إن الأدب امتداد للسياسة ولاحقاً أدركت أن السياسي ككل التجارب الواقعية يجب أن يتحول إبداعيا في لحظة طغيان الهاجس الفني ومن الخطر على الشاعر أن يكتب في لحظة طغيان هاجس سياسي.‏

موبوء بحجر دهري‏

في أحدث مجموعاته الصادرة عن دار صامد (كمائن الورد والنبيذ) يبدو هادي دانيال وكأنه غابة عذراء تريد أن تبوح بأسرار شوحها وسنديانها وبطمها ورياضيها دفعة واحدة ولكن لم يجيد اختراق الأدغال الفاتنة والمحتفظة بعذرية الطهر الأول .. في كثافة الجملة الشعرية أو البناء العضوي للقصيدة ولمتاهات الخيال الذي يختط من الذاتي والعام سبكا جديدا هذا كله يجعل كمائن الورد والنبيذ دفقة شعرية قادرة على الحرق والاتقاد بدءا من الهم السياسي إلى العشق الصوفي ورغبة تتنفس عطرا وتتقطر ابداعا ولكن المرارة تلونه:‏

فالعالم صحراء .. لا نخل ولا ظل ولا ماء‏

لا شيء سوى رمل وعقارب وأفاع وعواء‏

أما عبور الزمن فله طعم آخر حين يعبر الشاعر نصف قرن من العمر تتمثل أمامه دفعة واحدة‏

وأنا أعبر الخمسين‏

أنفض الآن عن منكبي النساء‏

روائحهن وللمس أثدائهن‏

وأنهض مني أفتش عن روحي الضائعة‏

فاتني لحظة افترقنا أن أحطم أضلاع شوقي‏

وأرمي الحطام إلى قدميك اللتين تدوسان أعشاب صمتي‏

ولكن أشجار روحي كانت تمسد قلبي حين يفر الوجع‏

لم أعد أذكر الآن وجه الإله الذي‏

خاط جرح هواي برمشة عين‏

وقبلني وارتفع‏

هادي دانيال الموبوء بالشوق والحنين وعطر الليمون والياسمين أحاول أن أتخيل وجهك مع مئات الشعراء الذين هاموا ببردى وغنوه ماء سلسبيلا وروحا وريحانا وحورا وأشم عطر الكلمات وأرى القصائد تتدفق عابرة المجرى تدب فيه الحياة وترسم ملامح الخصب بلا حدود .. نعم أنتم الشعراء من سيملأ رحم بردى بما قيل وسيقال وشكراً لشوقك بين العين ودمعها.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية