|
الثلاثي المقنن أبجد هوز وحتى مرحلة الشيخوخة الحالية,ومشكلتي أن هذا الثلاثي الجميل قد أصبح يقارب المستحيلات الثلاثة التي هي الغول والعنقاء والخل الوفي,فبساتين حمص ومنطقة الغوطة وأشجار الأكاسيا قد آلت إلى ما آلت إليه غوطتا دمشق وبساتينها, فذهبت لتحل محلها الكتل الاسمنتية التي لا حياة فيها ولا روح, ومع ذلك فأزمة السكن تكبس على روح المواطن صاحب الدخل المكبوس. أما الماء الذي كان يتدفق من الحنفيات أناء الليل وأطراف النهار كتصريحات المسؤولين, مع فارق أن الأول كان ينعش القلب ويغسل الادران ويفش الخلق ويروي العطشان في حين أن تصريحات المسؤولين تنشف الريق, ومازالت فواتير الماء في تصاعد مثل تلك التصريحات, أما بردى وتفرعاته الذي كان كالصبية الجميلة التي تتهادى بغنج ودلال فتوحي للشعراء بأحلى القصائد, فقد تحول هذا النهر الجميل إلى ما يوحي بقصائد الرثاء, وكذلك نهر العاصي الذي كان ملهماً لديك الجن وباقي الشعراء فقد آل إلى ما آل إليه ذاك البردى الجميل, أما الشكل الحسن,فآه وألف آه من الشكل الحسن, فقد غاب واحتجب خلف سوداء الحجب, حتى في التلفزيون الذي هو لراحة البال ونفض الهموم, فما إن تكبس زر التشغيل حتى يطلع لك علاء الدين يستضيف المنحرفين والمجرمين في برنامج الشرطة في خدمة الشعب, أو تجد مسؤولا مقطب الجبين يحكي عن الإنجازات والمستقبل المشرق الجميل, فتنتقل إلى قناة عربية أخرى لتجد طوشة عرب بين مواطنين عربيين يذكي أوارها فيصل القاسم تبع الاتجاه المعاكس, تبحث عن أقنية أخرى لينبق لك الجنبلاط أو الظواهري أو المطرب الضخم نبيل شعيل. وتحاول البحث عن الشكل الحسن فلا تحظى إلا بصور المشكلات والأزمات, حتى شريط الأخبار تحول إلى ورقات نعوات على شاشات التلفزيونات. كثيراً أفكر بالهجرة إلى بلد فيه الخضرة والماء والشكل الحسن لأملي ناظري بها إذ لم أعد أمتلك من المتع سوى متعة النظر, لكن ماذا أعمل بالواقع المستحكم فيَّ لهذا البلد الذي لا استطيع مفارقته بالرغم من كثرة النرفزة وقلة المخزون الإضافي لإنعاش القلب...وأساتذتنا رحم الله معظمهم علمونا أن حب الوطن من الإيمان, »وحبيبك بتحبه قرف عن رقبتك«, والولع في الصغر مثل النقش على الحجر, ومازال أسعد عبود يكتب في الثورة أجمل الرسائل للحب الستيني..فأزداد حنيناً للخضرة والماء والشكل الحسن.
|