غالباً ما سيكون نتيجة اكتشاف جنونهم المتنامي باتجاهين.. بشقين(حياتي ومهني).
على الصعيد المهني، يتبدى ذلك الجنون إبداعاً لافتاً وأكثر من مثير للإعجاب.
هل يمكن تقبله كنوع من خرق المألوف.. وكسر تقليدية الحياة فيما يخص حيواتهم..؟
وهل من الممكن الاكتفاء عيشاً بطيف جنوني واحد.. أم لابد من إحداث حالة توازن (حياتية- مهنية).. مطعّمة بحذر العيش وفقاً لذهنية شديدة الخصوصية والتمايز عن الآخر (العادي)؟.
لكن.. لماذا الجنوح واللجوء إلى توصيف (اللامألوف حياتياً)..؟.
لطالما كانوا ذوي مقدرات وذهنيات استشرافية.. وطاقات إبداعية خلاقة.. تتطلب لأجل ديمومتها، وجود (حامل) يساند.. يدعم.. ويؤمن غلافاً اجتماعياً صحياً يضمن استمرار بذرة الإبداع ونموها.
بعض من مبدعين.. تزدحم حيواتهم بمغامرات عشقية وزيجات، للوهلة الأولى، كثير تساؤلات عدة وتفتح بوابة البحث إلى أقصاها وصولاً إلى تفسيرات تلوذ بعلم النفس وتحليلاته.. كمبرر يغوص بعوالم اللامرئي في حيوات أولئك المبدعين.
جورج صاند، بايلو نيرودا، أجاثا كريستي، وسلفادور دالي.. اشتهروا بزيجات، كانت ذات تأثير ظاهر وأحياناً مُلهم.. والرابط بين تجاربهم تلك، كون الطرف الأنثوي (المرأة) هي الأكبر.،. وبفارق عمري ليس بالبسيط.
جورج صاند وجيل صاندو
اسمها الأصلي (أورور ديبان) ولدت عام 1804م، روائية فرنسية عرفت واحدة من أشهر أدباء القرن التاسع عشر، عاشت بكنف جدتها بعد وفاة والدها.
وبعد وفاة الجدة كان أن عاشت لدى أحد أصدقاء أبيها، في تلك الأثناء تعرّفت على زوجها الأول (فرانسوا ديديفان)، الذي اقترنت به قبل أن تتم عامها العشرين. لم تدم الزيجة طويلاً، بسبب تعرضها للانهيار.
وفي عام 1930م تعرفت إلى شاب صغير لايتجاوز التاسعة عشرة، هو (جيل صاندو) الذي تحول إلى واحدٍ من أهم عشاقها، ومنه أخذت اسم شهرتها الذي كان بدايةً (جي صاند).
كان صاندو في مرحلة إتمام دراسته الجامعية، من المهتمين بالاطلاع على الحياة الأدبية، وهو السبب الأهم الذي جعل (أورو) تتعلق به، فألّف الاثنان أول رواية لهما معاً بعنوان (العميل)، ثم تلتها رواية أخرى مشتركة هي (الوردة البيضاء) وقعتها (أرورور) باسم (جيل صاند).
بعد ذلك سرعان ما أحسّت بالملل من التأليف المشترك، لتنفصل عن صديقها كلّياً وتبدأ بالكتابة لوحدها باسم (جورج صاند).
عُرف عن أورور إيمانها بأن المرأة التي تتهالك على قدمي الرجل لاتفوز به ولهذا هي من راحت تجعلهم يتهالكون عند قدميها.
بعد (صاندو) ارتبطت بعلاقات غرامية عدة، أهمها كانت مع الكاتب المسرحي (ألفريد دوموسيه) وأيضاً مع عازف البيانو (شوبان).
أجاثا كريستي وماكس مالوان..
عندما كانت تُسأل الروائية الإنكليزية، عن سر استمرار زواجها من عالم الآثار ماكس مالوان، دام خمساً وأربعين سنة، وعن سرّ تعلّقه بها، كانت تجيب (إنه أمر طبيعي، فزوجي عالم آثار يعشق الآثار القديمة)، قاصدةً نفسها، كانت تكبره بنحو ثلاثة عشر عاماً، عند زواجهما كانت في التاسعة والثلاثين وهو في عمر السادسة والعشرين.
ويذكر أن زواجها الثاني بعد تجربة زواج فاشلة من العسكري (آرتشي كريستي) الذي لم يوفرّ لها التفاهم والصحبة الزوجية المشتركة، وعلى مايبدو فإن ما افتقدته مع آرتشي أمّنه له مالوان الذي يقول عن طقوس كتابتها:
(شيدنا لأغاثا حجرة في نهاية البيت كانت تجلس فيها من الصباح وتكتب رواياتها بسرعة وتطبعها بالآلة الكاتبة مباشرة، وقد ألّفت مايزيد على ست روايات بتلك الطريقة موسماً بعد آخر).
سلفادور دالي وجالا
المبدع هنا هو الأصغر عمراً.. كانت جالا تكبر دالي بعشر سنوات على الأقل. وهي فتاة روسية اسمها الأصلي (إيليا ديماكونوفا) قدمت إلى فرنسا سنة 1913م.
التقت الشاعر بول إيلوار وتزوجت منه، ثم وقعت في غرام الفنان ماكس أرنست، بعد ذلك اقترن اسمها بدالي عام 1929م.
كانت ذات تأثير واضح عليه وعلى فنه، وكان دائم القول (إن كل رسام جيد يريد أن يكون مبدعاً وينجز لوحات رائعة، عليه أولاً أن يتزوج زوجتي).
بعض المحللين رأوا أن تعلقه بها كان ناجماً عن فقدانه أمه التي كان يعبدها، وهو في سن الشباب الأول.
شكّلت (جالا) مصدر إلهام لسلفادور، وكانت تحرص على جعله يوازن بين الواقع واللاواقع، وتحدّ من خيالاته وأحلامه المتطرفة.
حرصها عليه كان دافعاً لنمو حبّه لها، وكان ذلك يدفع بدالي للتوقيع أحياناً باسمه واسمها على لوحاته.
من المبدعين الذين ارتبطوا بنساء أكبر منهم عمراً، يذكر أيضاً الشاعر بابلو نيرودا الذي تزوج من الرسامة الأرجنتينية الشيوعية ديليا ديل كاريل وهي تكبره بعشرين عاماً.
ربما كان سبب إقدامهم على الزواج من (الكبيرات عمريً).. يعلل بوجهة نظر تشابه ماذكره ماكس مالوان، زوج أغاثا، ففي مذكراتها، قائلاً (لايعرف سوى القليلين معنى العيش بانسجام بجانب ذهن واسع الخيال مبدع يلهم الحياة بالحيوية).
إنها رؤية الأمر من داخله.. والأصح القول: في جوهره.. وأصله.