ودعمت أقوالها بالأفعال عندما أرسلت ست طائرات من نوع ميراج ممثلة في ذلك الوجود العربي الأكثر أهمية في الحملة الجوية، ولا بد من التذكير، في هذا السياق، بدورها السابق في إقرار الجامعة العربية للتدخل العسكري في ليبيا، ومن كونها في طليعة الدول التي اعترفت بالمجلس الوطني الذي شكله المتمردون ليكون البديل عن الحكومة الليبية ومن مساعدتها ومؤازرتها لهذا المجلس في بيع النفط في الأسواق العالمية، فضلا عن تسليحها للمتمردين وإرسال قوات خاصة لمؤازرتهم في الهيمنة على طرابلس.
امتعض بعض المسؤولين الغربيين من التدخل القطري وأخذت الخشية والتحسب تساورهم من تدخلها في سياسات ما بعد سقوط القذافي نظرا لقيامها بتوجيه التمويل وتقديم الدعم للسياسيين المقربين منها متصرفة في ذلك على غرار القوى الغربية عندما تسقط نظاما في الشرق الأوسط. وقد أشارت تقارير نشرتها صحيفة الغارديان إلى وجود مخاوف لدى أعضاء المجلس الوطني الانتقالي الليبي والمسؤولين الغربيين من أن يكون قيام قطر بتقديم السلاح للثوار الليبيين ضمن أجندة تخدم مصالحها وادعاءاتها المتمثلة بجلب الاستقرار السياسي في البلاد.
إن امتعاض المجلس الوطني الانتقالي والدول الغربية يعود بشكل رئيس للدعم الكبير الذي تقدمه قطر لكل من القائد الإسلامي في المجلس العسكري في طرابلس عبد العزيز بلحاج وحليفه الليبي المقيم في قطر الشيخ علي صلابي وهما الرجلان اللذان تلقيا نقدا لاذعا من قبل محمود جبريل رئيس الوزراء، المدعوم من الغرب، نتيجة اتهامهما له بالسعي للاستحواذ على السلطة وتهميش دور الإسلاميين الذين كان لهم الدور الأكبر في قيام الثورة لإسقاط النظام.
إن ما أبداه الغرب من قلق إزاء التصرف القطري والتحسب من أخذه دورا هاما في مرحلة ما بعد القذافي يعطي مؤشرا عن الصراع القائم من أجل تقليص النفوذ الأمريكي ومساعيه الهادفة إلى تشكيل الشرق الأوسط الجديد حيث نجد أن لاعبين إقليميين جدداً قد دخلوا في اللعبة الاستراتيجية الإقليمية بأجندات مستقلة تتوافق مع الأجندات الأمريكية أحيانا وتختلف معها أحيانا أخرى. وظهرت تركيا على الساحة كقوة دبلوماسية ثالثة بين أمريكا ومنافسيها الإقليميين من أمثال إيران. ويبدو أن قطر قد نهجت في توجهاتها لأخذ دور في المنطقة يحاكي الدور التركي.
صرح ميغان أوسولفيان بأنه على الرغم مما جرى استخدامه من وسائل عسكرية في ليبيا فإن الدور العسكري القطري لم يتجاوز الدور التركي من حيث كونهما غير فعالين.
استطاعت قطر إيجاد نافذة لها تمكنها من الإطلال على العالم وإبلاغه ما ترغبه وذلك عبر احتضانها ورعايتها لقناة الجزيرة، وتمكنت بواسطتها من إيجاد دور لها في تحريك موجة الاحتجاجات في العالم العربي حتى أن البيت الأبيض ذاته كان مهتماً بما تبثه تلك القناة للتعرف على ما يجري من أحداث دراماتيكية في الأيام الأخيرة من حكم الرئيس مبارك أكثر من متابعته للمعلومات التي تبثها القنوات الأمريكية وليس بالأمر الغريب أن يتصرف البيت الأبيض على هذا النحو لأن قناة الجزيرة قد دأبت على الالتقاء مع المعارضين على الهواء مباشرة ونقل آرائهم وتوجهاتهم، على الرغم مما هو ثابت من كونها موجهة من قبل القيادة القطرية وأكبر دليل على ذلك ما اتخذته من مواقف إزاء الاحتجاجات التي قامت في البحرين وقمعت من قبل القوات السعودية بمشاركة ودعم من القيادة القطرية.
تعتبر قطر من الدول الغنية حيث يبلغ دخل الفرد فيها 88000 دولار سنويا وقد قامت باستثمارات كبيرة في عدد من البلدان الأمر الذي مكنها من إقامة علاقات ودية معها وتنامي نفوذها فيها وهي في تصرفها هذا سلكت ذات الأسلوب الذي اتبعته كل من الصين وتركيا كما وأنها تماثل الأخيرة من حيث محافظتها على استمرار علاقاتها الودية مع الولايات المتحدة وقبولها باستمرار وجود مقر القيادة المركزية ومركز العمليات العسكرية الأمريكية لسائر المنطقة في بلادها . لكن وجود تلك المواقع لم يحل دون اتخاذها لمواقف مستقلة تتباين مع أجندة واشنطن في بعض الأحيان.
وعلى سبيل المثال احتفاظها بعلاقات ودية مع إيران، وتناقضها مع التوجهات الأمريكية عند قيامها بالوساطة بين فتح وحماس لتحقيق الوحدة بينهما، علما بأنه قد سبق لها وأن كان لها علاقات تجارية مع إسرائيل قبل حرب غزة وهي تبدي حاليا رغبتها بإعادة تلك العلاقات إلى ما كانت عليه في حال قيام إسرائيل بالسماح بوصول المساعدات العينية والنقدية إلى غزة لإعادة إعمار البنى التحتية فيها.
تبذل قطر قصارى جهدها لتعريف العالم بها حيث عمدت إلى استضافة كأس العالم لكرة القدم في عام 2022 ورعت العديد من النوادي في أوروبا مثل نادي برشلونة لكن يبدو أن لديها أجندة خاصة بالشرق الأوسط الجديد، بعد انهيار بعض الأنظمة العربية، تختلف في مضمونها عن توجهات واشنطن.
لا شك بأن لدولة قطر مصالح وطموحات تسعى إلى تحقيقها من خلال تدخلها بالواقع السياسي الليبي، على غرار ما تسعى إليه كل من أمريكا وبريطانيا وفرنسا، لذلك نجدها تغدق الأموال على أنصارها من الليبيين بغية كسب تأييدهم لها، لكن الدول الغربية لن يضيرها هذا التصرف إن كانت حصيلته منسجمة مع ما يخطط له في هذا المضمار.