تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حداثة المطر السوري؟!

آراء
الخميس 13-10-2011
حسين عبد الكريم

الزيتونة القديمة تعلم بقرب قدوم المطر.. أو كأنها تتنبأ بأحوال الغيمات وحالات النسمات البحرية فتعرف: المطر على الباب أم بعيد في عباءة الغيمات وغفلة البروق؟!

وتعرف أن المطر ليس غبياً أو راسباً في امتحانات العطش والأغصان.. زيتونة المنيرة على مقربة من حافة الأرض والوجدان والجيران والأصدقاء وتفهم مثل فهم المطر الساحلي الكريم، الذي يعطي لكل بال راحة بال، ولكل قلب غسيل أحزان وكآبه..‏‏

أقرباء وجيران ومعارف وعدتهم الزيتونة الحنونة بالحبات الخضراء البهية، ووفت بوعدها.. وهل أليق من الأغصان وهي توزع بهجة على الأيدي والقلوب.‏‏

الوقت وقت مطر وحداثة حبًّ وسقي وزيتون وأشواق ساحلية وجبلية ومدينية وقروية.. لا أحد في هذا الوقت يتوقف على الشوق.. حتى الحزن يميل إلى الاشتياق أكثر من ميلانه إلى الكآبة أو اليأس..‏‏

الأرض صداقتها مع الغيث أبدية.. وتؤلف أولاداً جميلين وبنات جميلات، ليكونوا حراساً لأفراحها ورعاة صادقين لخيراتها وغيماتها وأشجارها وأحجارها وأيامها..‏‏

البنات يصبحن كأمهن الأرض، يتربين على العطاء والخيرات والحرص الراقي.. وحين تحين الحاجة، يقلن للوطن: لك الولد والتلد.. أي لك وجداننا القديم ولك الحداثة، لأنك أنت دوام العافية والسلامة والتجديد..‏‏

غياث وأبو أحمد أنشط قاطفي زيتون في القرية والقرى القريبة، وتشهد لهما الكروم و(الحواكير) والتلال والسفوح والحفاف، لكن أبا أحمد، بعد أن تقدمت به السنوات مالت روحه إلى الهدوء.. وابتعد عن جسده بسبب بعده الاضطراري عن أي امرأة على سطح اليابسة أو سطح قلبه.. ومن كثرة إهماله لقلبه غدا من غير نوافذ تمر منها الارشادات العشقية والهمسات الراشدة غرامياً.. والشاب غياث الفنان في مصافحة أعتي الأغصان وأعلى الحبات والأشجان مازال معتدل الأشواق والذهاب إلى الأجداق.. وهو بهيّ في البساطة والألفة والاجتهاد في قطف الزيتونات وتجميع حبات المطر.. لكن زاد المطر، وتعالى واقع حال البرق من جهة الشرق.‏‏

سيغتسل الوجدان من عيوبه ولعنات الكراهية وسيتحدث عن أمجاد الحب والكرم والكروم وسخاء النساء السوريات الأنيقات والحزينات جداً إلى حد أنهن كالأم الأرض يؤلفن أولادهن من أجل وطنهن الواحد الوحيد... الوطن -رغم أنه شامل وعظيم متكامل السعادة والأحوال والأحزان- وحيد وناطور كل وجدان وكل طفولة وكل شجرة ومطر أرقى المؤلفات الأم والأرض وكلتاهما أمومة وحنين وبقاء.. وأرقى المؤلفين المطر، لأنه يبتكر في عز الأسى والأسف لغة للحب وقصصاً للأمل الطيب والخير.. غياث أنجز قطف الزيتونة المعطاءة وأبو أحمد أنجز حزنه على الزوجة الغائبة.. والغيمات لم تزل ترش الكسل بفائض الحرية والهطل والعطاء..‏‏

وتكنس الكلمات البشعة من دفاتر الدروب وحيطان النفوس، وتبتكر مكانها كلمات جديدة وراقية وألوفة.. الألفة التي من هذا النوع لا تخضع للتراكمات وهموم السنوات والشيخوخات، بل تتلاقى على مر الوقت مع حداثتها.‏‏

مر رجل أعرج يحمل كيساً متسخاً، لوثته أيامه السوداء بالفقر، فغسلته الغيمات، وأخذ من الزيتونة الحبات، وترك في المكان الدعوات: الحمد لله على المطر الذي كنس عن القلوب الصدأ وعن الأكياس السواد، وعلمنا الكلمات الطيبات.. وألهم الناس العطيات والشجرات الحبات والثمرات..‏‏

وقال لأبي أحمد: ولد أم الجديلة التي أحببتها، وتمنيتها زوجة يوم كنت بلا بطن كبير وعمر كثير، رحل شهيداً.. ورحل غيره وغيره فصاروا أمطاراً عزيزة ووطنية تعطل في البشعين شهية البشاعة وينبتون في حقول الوجدان الوطني الكبير أشجار ضوء وأبد.. ومشى الأعرج وبقيت كلماته..‏‏

الحداثة إحدى أهم ابتكارات الاشتياق الكوني والمطر الوطني الجيد.. والمطر السوري هذه الأيام في غاية الجودة والتأليف والتجديد، رغم كل الفراقات الأليمة ومحاولة سريان الفتنة بين القلوب والقلوب والأبناء والأبناء والغيمات والغيمات والبنات والبنات..‏‏

المطر السوري أكبر من الاحتباس والفتن السيئة ويحسن التأليف والتآلف بطريقة حداثوية ومبتكرة تليق بمطر وطني شاهق وعزيز.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية