تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


من ظرفاء دمشق (14).. الشــاعر محمــد البـزم

ساخرة
الخميس 13-10-2011
نصر الدين البحرة

ولد محمد البزم كما يقول هو نفسه في دمشق عام 1887، ولا تعرف سنة وفاته، ولكن الدكتور ابراهيم الكيلاني في كتابه

«شخصيات وصور أدبية» يرجح أنه عاش أكثر من ستين سنة، على أن البزم يشير إلى أصله العراقي في بيتين من شعره:‏

(جلق) منبت جسمي وعلى‏

دجلة محتد قومي الغابرين‏

وإلى (بغداد) مهوى النفس لي‏

أنّه تنتابني حيناً فحين‏

نشأ البزم في بيئة شعبية متواضعة، محروماً من نور العلم حتى تجاوز العشرين من عمره، يتعاطى بيع القماش في سوق البزازين، حتى إن تعلمه كان محض اتفاق، ويبدو أن دخوله المكتبة الظاهرية مصادفة، واطلاعه على الكتب المختلفة فيها وتردده على حلقات بعض شيوخ دمشق وعلمائها كالأستاذ عبد القادر بدران، كل ذلك لعب دوراً حاسماً في تغيير مجرى حياته وانصرافه إلى العلم والأدب وغرقه في بحر النحو والصرف، حتى صار مدرساً للعربية اعتمده الشيخ كامل القصاب في مدرسته (العثمانية).‏

ابراهيم الكيلاني يصف البزم‏

لا شك عندي أن الدكتور الكيلاني قد عرفه عن قرب، فهو من الجيل التالي، ولذلك فإنه يصفه بدقة: «كان البزم طويل القامة، ذا بهاء ومنظر حسن يملأ العين، كبير الرأس، عريض المنكبين، هادئ الحركات، قد أكسبه طول قامته نوعاً من التعالي يفرض المهابة على ناظريه ومحدثيه».‏

بين المجون والتعصب للعربية‏

لا يهمنا هنا بالطبع ما ذكره هذا الكاتب الكبير الكيلاني عن البزم من أنه «تهالك على اللهو شاباً فغاص في لجة التهتك والمجون وإنما يهمنا كثيراً ما وقف عنده من أن كل العلم في نظر البزم هو النحو، والجاهل في رأيه هو من قصرت مواهبه عن فهم هذا العلم، فكأنه أقام نفسه حارساً لهذا العلم معتبراً إياه أساساً للعربية وعلومها وفنونها.‏

البزم غلب المبارك بالغلاظة‏

وفي هذا المجال - التعصب للنحو- لم يكن ينجو من تحرشاته سوى الأستاذ المرحوم سليم الجندي من ذلك مثلاً أنه فاجأ على حين غرة الأستاذ الشيخ عبد القادر المبارك الذي كان يدعى (المعجم المتنقل) قائلاً: يا أستاذ هل يقال الغلاظة - بكسر الغين أم بفتحها ؟‏

قال المبارك: بفتح الغين.‏

وقال البزم: بكسرها ففزعا إلى المعجم، فكان في جانب البزم، فلم يدعها المبارك تمر دون أن يرد على هذا التحدي بنكتة لاذعة، فصاح بملء فيه: لقد غلبني البزم بالغلاظة.‏

البزم حين طلب الحمّص‏

ويروي الدكتور كيلاني، صديقي العزيز الراحل، أنه كان مرة في صحبة البزم في مقهى، ولما أحس بالجوع نادى خادم المطعم وقال له:‏

«ائتني بقصعة من الحمص، وإياك أن تذر عليها شيئاً من التوابل والأفاويه، وجنبني ما استطعت الحامض والزيت» فوجم الخادم، وطفق ينقل نظره فينا، ولما لم يلحظ بوادر نكتة أو مزاح علم أن الأمر جد.‏

أقواله تتناقلها الأجيال‏

ولم يقتصر البزم في كلامه بالفصحى على الناس في مجالسه، بل كان يخاطب طلابه بها، ويذكر كل من تتلمذ أن له عبارات تجمع إلى البلاغة مسحة النكتة، يتناقلها جيل عن جيل على سبيل التنذر الممزوج بالإعجاب، فمن أقواله لمن أخطأ، ويل للعربية من أمثالك.‏

وقال لآخر: ليتك رزقت الخرس ولم تجب.‏

وقال لطالب فحص برجليه بغية إحداث ضجيج: يا هذا أليس لعقلك سلطان على رجلك.‏

وقال لآخر يأمره بالجلوس: اهبط وليتك لم تقم.‏

وقال لتلميذ في أقصى الصف يدعوه للتسميع: قم يا جار الحائط، وقال لآخر تساءل عن اسم الجرس حين قرع إيذاناً بانتهاء الدرس: احمد الله على أنه لم يعلق في رقبتك.‏

«ستر السوأة..» والبزم‏

وقد سمعت أكثر من حكاية، من أصحاب كانوا بين طلابه في ثلاثينيات القرن العشرين وأربعينياته في ثانوية التجهيز الأولى (جودت الهاشمي حالياً) إنه كان يحب أن يرى في مقاعد الصف الأول، صبيحي الوجوه فيجري مناقلة عند دخوله الصف، بحيث يكون هؤلاء في المقدمة، وقد انتبه الطلاب إلى ذلك، فاتفقوا مع أحدهم، وكان أسمر غامقاً، ودميماً أيضاً على أن يحلق شعر رأسه تماماً، بالموس، وعلى أن يقعد في أول مقعد في الصف، بحيث يراه البزم كيفما تحرك، فما كان منه إذ رآه إلا أن قال:‏

يا هذا استر سوأتك -عورتك-.‏

فرد عليه التلميذ بالحديث القائل:‏

لعن الله الناظر والمنظور.‏

هنا قال البزم:‏

والله يا خبيث، لولا حسن جوابك، لجعلت من جلدة رأسك نعلاً لقدمي.‏

جدير بالذكر أن لمحمد البزم ديوان شعر مطبوعاً في مجلدين.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية