تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الفيتو وحراك التوازن الدولي

شؤون سياسية
الخميس 13-10-2011
د. فايز عز الدين

منذ أن انتهت المتغيرات الدولية في مطلع العقد الأخير من القرن العشرين المنصرم، كثرت الرهانات على نظام العالم وحيد القطب من ناحية،

وعلى الرصيد الأخلاقي لأميركا الذي يمكن أن يؤهلها لقيادة النظام العالمي كشرطي وحيد يتولى إدارة العالم من ناحية ثانية، وبين هذين الحدين ظهرت اتجاهات كثيرة ومهمة فمن قائل: إن أميركا لاتملك الأخلاق السياسية المطلوبة حتى تقود النظام العالمي الجديد أمثال الدبلوماسي الروسي والكاتب يفغيني بريماكوف، ومنهم من ذهب إلى أن أميركا مؤهلة لهذا الدور وزاد الثقة بهاحتى جعلها تقف بالعالم عند نهاية التاريخ أمثال: فوكوياما.‏

وبعد أن صدّرت أميركا مصطلح العولمة عام 1993م وشرعت تهلل إلى أن العالم خلال عقد من الزمان سيكون قد دخل عالم الحيوات المتقاربة، والحضارات الواحدة، والإنتاج المعرفي، والميديا، والمعلوماتية، ورفع كافة عوامل الوجود البشري إلى الفضاء، وصولاً للحكومة العالمية الإلكترونية، والقرية الكونية الصغيرة للكومبيوتر اتضح قبل نهاية القرن العشرين أيضاً أن الخلل الأميركي في إدارة العالم صار حقيقة ملموسة إذ إن الصهيونية- عبر الإيباك- في أميركا أصبحت هي الموجه الوحيد لنموذج سياسة أميركا ماوراء البحار وجعلت الإدارة الأميركية تتعامل مع منظمتي الشرعية الدولية (الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس الأمن) على أنهما ملحقان بالخارجية الأميركية، وليس هنالك أي شأن للدول الصديقة، وغير الصديقة، ولا للمجتمع الدولي بهذه المسألة، وهنا لم يبقَ العالم عند نظام القطب الوحيد المهيمن بل زاد بالطين بله أن القطب الوحيد المهيمن لصالح الصهيونية وكيانها العنصري الاستيطاني إسرائيل، وليس لصالح الجماهير الأميركية التي كانت تحلم بأن تعود عليها عوائد انفراد بلدها بحكم العالم، لا أن تعود على الصهيونية وإسرائيل فقط.‏

وقبل نهاية القرن المعني خططت مجموعة أميركا الجديدة للقرن الحادي والعشرين، وقدمت للرئيس كلينتون ما رأته لكي يكون القرن الحادي والعشرون قرناًَ أميركياً بامتياز من بدايته حتى نهايته، لكن الرئيس الديمقراطي لم يقبل استراتيجية المحافظين الجدد من الحزب الجمهوري، وفي هذا السياق لم يجدد للرئيس كلينتون وأتى بوش الابن من الحزب الجمهوري على رأس الإدارة الأميركية، وطفق ينفذ استراتيجيات اليمين المحافظ، ولاسيما في مجال المزيد من الغطرسة في العلاقات الدولية، وعدم الاعتراف لأحد بالشراكة في قيادة النظام العالمي إلى جانب أميركا، وكان بريجنسكي قد كتب كتابه (الخيار) الذي وضع فيه النتائج المتوقعة فيما إذا أخذت أميركا بسياسة الهيمنة، وما ستواجه من حروب، وماتحتاج إليه من ميزانيات لحروب ماوراء البحار، وإذا أخذت بسياسة الشراكة العالمية ماذا سيكون حالها عليه، ومن الطبيعي أن لاتقبل أميركا أن تحدد نفسها، ورفضت كل النصائح لكنها حين شعرت بالجدار العالمي يعلو بوجهها، ولاسيما من حلفائها الأوروبيين الذين استاؤوا من العولمة بتعميم النموذج الأميركي، وجعل النظام الأميركي نظاماً عالمياً جديداً، وتوجسوا ريبة من أن يضطرب تقسيم العمل الدولي، وتتراجع حصة أوروبا من نواتج الاقتصاد الدولي.‏

وبناء عليه صارت نظريات جديدة تطرح وتفسّر المتوقع من مابعد الليبرالية والليبرالية الجديدة المتوحشة حصراً، ولذلك فقد سارعت أوروبا لكي تحصن نفسها بالوحدة واليورو، والشراكة، ومع ذلك بقيت لأميركا سيطرة واضحة على القرار الأوروبي، ولاسيما بعد حوادث الحادي عشر من أيلول 2001، وتوريط أوروبا بالحروب الأميركية من أفغانستان حتى العراق، وقد حصل ذلك كله والعالم يكابد من سياسة القطب الوحيد المهيمن، وقد صادقت أميركا بسلوكها العالمي على مقولة بريماكوف بأن ليس لديها الرصيد الأخلاقي لقيادة النظام العالمي الجديد، ولاتستطيع أن تؤسس لهذا النظام باعتباره سيقوم على الديمقراطية الدولية وهذا عكس إرادتها، وإملاءات اللوبي الصهيوني على إدارتها العالمية.‏

وطيلة هذا العقد ونيف من القرن العشرين، والبشرية تحلم بعودة التوازن للنظام الدولي، وخاصة في مؤسستي الشرعية العالمية، وأن تعود أمم الجمعية العامة، ومجلس الأمن إلى العدل في القرار الدولي، وإلى القرار العالمي الذي يعبر عن مصالح ذوي الشأن في القضايا المطروحة، لاعن مصالح الصهيونية المغتصبة للقرارين: الأميركي والأوروبي بآن معاً، وكم كان انتظار العالم شديداً حتى تعود روسيا، والهند، والصين، والبرازيل، وجنوب إفريقيا إلى لاعبين جيواستراتيجيين في القرار الدولي وهم مجموعة (بريكس) وكم قيل: إذا بدأ الفيتو يسجل من روسيا، أو الصين هذا يعني أن عالم التعددية القطبية قد صار حقيقة سياسية ماثلة.‏

وماحدث في الأسبوع الماضي حول إفشال قرار الغطرسة الأمروأوروبي الصهيوني ضد سورية بالفيتو المزدوج من روسيا، والصين قد أثلج صدر المجتمع الدولي، وأقنع الجميع أن التغّول على القرار الدولي قد انتهى، وهيمنة السيد الأميركي قد انتهت، وأن سورية هي البلد الذي نقل نظام العالم من انفراد القطب الوحيد إلى عالم التعددية القطبية، ولولا أن تكون سورية تمثل حجر الرحى في مستقبل المنطقة، والعالم لما كان ذلك قد حصل.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية