والتي كانت بمثابة مشروع لإرساء مفهوم استراتيجي جديد، للناتو أو تصور مستقبلي للناتو 2020 يضع الأسس المبدئية لمفهوم استراتيجي جديد للحلف ولدوره المستقبلي وللتحديات الجديدة التي ستواجهه في العقد القادم. وقد قدّم للكتاب الرفيق عبد الله الأحمر الرفيق الأمين العام المساعد للحزب رئيس هيئة الأبحاث القومية حيث أكد على أن:
« قراءة هذه الوثيقة المترجمة، تشكل إضاءة مهمة للمختصين والباحثين المهتمين، وحتى للمواطنين العاديين لمعرفة ما يدور حولهم في عالم أصبحت القوة هي المتحكمة في مسار العلاقات الدولية ».
والكتاب بجزئيه يسلط الضوء على الوثيقة التي تتحدث عن الدور الجديد «للناتو» والتراجع عن إعطاء «الناتو» مهمة الشرطي العالمي الذي حاول أن يلعبها في محطات عديدة خلال مرحلة ما بعد الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي. فقد نصّت الوثيقة بشكل صريح على أنّ «حلف شمال الأطلسي ليس هو الحل الوحيد لكل المشكلات التي يعاني منها الأمن الدولي. فالحلف منظمة إقليمية وليس عالمية وموارده وسلطاته محدودة، ولا يوجد لديه أي نيّة لوضع اليد على المهام التي تتولّاها منظمات ودول أخرى بشكل ناجح».
علما أنّ الوثيقة شدّدت في نفس الوقت على أنّ التحالف بين الدول الأعضاء والالتزام بالدفاع الجماعي الذي نصّت عليه المادة 5، لن يكون فاعلا ما لم يكن حلف شمال الأطلسي جاهزا لمواجهة التحديات بغض النظر عن منشئها. وهو ما قد يعني إمكانية توسيع نطاق عمل الحلف ليشمل عمليات خارج الحدود التقليدية للمنطقة الأورو-أطلسية. ولتخطي هذه المعضلة وتحقيق التوافق عليها، تقترح الوثيقة تفعيل التشاور الداخلي بين الأعضاء وضرورة خضوع العمليات التي تتم خارج الحدود التقليدية لمبادئ توجيهية أكثر تحديدا وصرامة، وأن يكون المبدأ العام الذي تخضع له كل الحالات هو ضرورة أن لا يقوم الحلف بأي عمل أو التزام يزيد عمّا باستطاعة الحلفاء تقديمه أو يتجاوز قدراتهم
شراكات الناتو
ثم تؤكد الوثيقة على انّه لا يمكن للناتو أن يعمل وحده بعيدا عن الدعم والشراكات الدولية. فقد أثبتت التجارب الأخيرة التي شارك فيها الحلف ولاسيما أفغانستان على أهمية مثل هذه الشراكات خاصّة أنّ هناك العديد من الدول التي قدّمت للحلف أكثر مما قدمته العديد من الدول الأعضاء.
فاستراليا على سبيل المثال ساهمت بعدد من الجنود في أفغانستان يفوق ما قدّمته أكثر من نصف الدول الأعضاء في الحلف، واليابان تبرّعت بمليارات الدولارات لعملية إعادة البناء وهو ما تستطيع فعله العديد من الدول الأعضاء في الحلف. وطبعا هناك أمثلة أخرى على نيوزيلاندا وكوريا الجنوبية وغيرها من الدول من منطقة يوراسيا والشرق الأوسط. واعترافا بالأهمية المتزايدة لدور هذه الدول ودور هذه الشراكة من جهة وبحدود قدرة الناتو ومحدودية سياسة التوسّع لضم المزيد من الدول، فان الوثيقة تقترح جعل إدارة هذا النوع من العلاقات مع الناتو لتكون في صميم مهام الناتو.
العلاقة مع روسيا
تشجع وثيقة الناتو2020 على سياسة الانخراط مع روسيا، كما تشجع على سياسة التعاون والتشاور الدائم معها، وتؤكد على ضرورة توسيع أجندة المواضيع التي يمكن الحوار حولها، وتفعيل التعاون الأمني من خلال مجلس التعاون الثنائي (مجلس روسيا –الناتو) الذي لم يتم الاستفادة منه كما ينبغي والذي انشئ بالأساس بهدف منع الازمات وتحليل المعطيات والاتفاق على الأعمال المشتركة للتعامل مع المخاوف المتبادلة للطرفين. فالتحالف الروسي-الأوروبي وفقا للوثيقة الجديدة يجب أن يكون بالالتزام بهذا المجلس وأيضا بالتشجيع على التعاون في المسائل التي تمثل مصالح مشتركة كمنع الانتشار النووي، ومحاربة الإرهاب، الحد من التسلح، والدفاع الصاروخي، والأمن البحري، وعمليات السلام ومكافحة المخدرات.
سياسة الباب المفتوح
وتبقي الوثيقة على سياسة الباب المفتوح للدول التي تريد الانضمام إلى الحلف بشرط أن تفي بالشروط والمعايير المطلوبة، علما أن الحلف كان قد توسّع بضم المزيد من الأعضاء فارتفع العدد منذ نهاية الحرب الباردة إلى اليوم من 16 إلى 28 عضوا. فهذه السياسة بقيت لوقت طويل المحرك الأساسي للدفع باتجاه ترسيخ الأمن الجماعي، ولذلك فان موضوع ضم المزيد من الأعضاء يتم أخذه بعين الاعتبار على الدوام خاصة في منطقة غرب البلقان وأيضا بخصوص أوكرانيا وجورجيا.
قدرات جديدة لمرحلة جديدة
وتشدد الوثيقة في هذا الإطار على التحول العسكرية لمرحلة ما بعد الحرب الباردة والتي تفرض على الحلف أن يتمتع بالمروة اللازمة والسرعة في العمل والتنوع في المهام. كما تؤكد الوثيقة على ضرورة ان يتضمن المفهوم الاستراتيجي تحديدا وضوحاً للأولويات الدفاعية وأن يتم مواكبة ذلك بتحسين القدرات الضرورية والقيام بإصلاحات تلبي هذا المطلب. ومن هذا المنطلق، فعلى الناتو أن يكون قادراً على الدفاع عن مناطق الحلفاء، تنفيذ مهام استراتيجية، المساهمة في تحقيق بيئة دولية أكثر أمنا، والرد على حالات الطوارئ غير المتوقعة عندما يتطلب الأمر ذلك.
أمّا بخصوص سياسة الأسلحة النووية، يؤكد المفهوم الاستراتيجي الجديد على دعم الناتو لعملية منع انتشار الأسلحة النووية، وتأمين تلك الموجودة منها في أماكن مختلفة والحرص على أن تكون المواد النووية موجودة في ظروف آمنة وذلك بالتوازي مع العمل على جعل العالم خالياً من الأسلحة النووية.
أمّا موضوع الدفاع الصاروخي، فتعتبر الوثيقة أنّ إمكانية التعرض لمخاطر هجوم إيران بصواريخ بالستية قد فتح المجال واسعا أمام قيام الناتو بمهمة عسكرية ضرورية من خلال قرار نشر منظومة دفاع صاروخي من شأنها أن توفر للأعضاء غطاءّ دفاعيا موثوقا وأكثر فعالية وسرعة مما كان متصورا خاصة عندما يكون ذلك بالتعاون مع شركاء الحلف كروسيا.
ولم تنس الوثيقة الإشارة إلى الخطر المتزايد للهجمات الالكترونية في مجال الانترنت والشبكات وضرورة الاستعداد لمواجهة هذا الخطر المتزايد عبر تأمين أنظمة القيادة والاتصالات ومساعدة الدول الأعضاء على تطوير قدراتها في الرد على الهجوم الالكتروني وتطوير نظام دفاع الكتروني تعمل على توفير الردع الفعّال والكشف الفعّال لهذه الهجمات.