تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الأمان الجمالي

آراء
الخميس 20-10-2011
حنان درويش

نتفيأ بظلالها، ونحتمي بأريجها، ونتوضأ بألقها، فتكون لباساً لنا على مر الأزمنة والدهور والعصور، جذورها في الأرض، وتيجانها نحو السماء تنسج الحياة لحمة وسدى

وتترجم الحب إلى لغات عديدة تصوغ الوقت كبرياء، المنّة ليست طبعها، لكنه العطاء الدؤوب ينقي الكون، وحين يأكلنا الجفاف نقصد وردها في الحدائق والشوارع والجبال والبساتين، فتبدو حالنا على أحسن حال. وقد أدركني الشوق إلى الكتابة عنها، عندما شاهدت سواعد الشباب تزهر حباً أثناء غرسها. ولمحت عيونهم تودع سنة دراسية، وتستقبل سنة دراسية أخرى حافلة بالاخضرار، يزرعون التفاؤل والأمل في كل مكان من مدرستهم الحبيبة، فتورق الأصص وتتألق الأحواض وتعرش الأغصان فوق الجدران وقرب أبواب الغرف الصفية، فما كان الشباب في يوم من الأيام خارج العمق الإنساني والحضاري. وما كانوا خارج حدود الشفافية التي أعطت كلاً منهم شخصية ذات تكوين متآلف، متجانس، مندغم في المحيط بشكل إيجابي ليس هذا فحسب، إنما امتد ليصل إلى التزام القول مع الفعل. إن قراءة متأنية لما رأيته في تلك المدرسة المختلفة، ذات الكادر التدريسي المتميز، أطلعتني على حوار المودة الذي دار بين الطلاب، وبين أبعاد المبادرات الطيبة.‏‏

هذا الحوار امتلك نظرة غير عادية، اخترقت الحواجز ووصلت إلى صلب حالات نعجز أحياناً عن تناولها فكانت قابلة للتجاوب، وهو ما منح صنيعهم خصوصية وعفوية وتلقائية وبساطة تعزز مبدأ الجمال بشتى أشكاله، لتغدو المدرسة منهلاً للعلم، وفضاءً رحباً لانتشار العبير الذي تمنحه أوراد من كل صنف ولون.‏‏

إن الاهتمام بالشجرة في بلدنا حاضر موجود، تبعثه نفوس أمينة بكل ما أوتيت من أخلاقيات مكتسبة وفطرية، ومن يتجرأ على رمي الخضرة بنظرة حقد فلابد أن يندم على فعلته، ومن يخطر بباله إلقاء عود ثقاب، أو بقايا لفافة تبغ في حرم الجمال، فلابد أن يناله العقاب، ومن يكفر باجتثاث الجذوع متعدياً على الجذور، فلابد أن يجد نفسه معرضاً لمساءلة القانون.‏‏

المدن تصرخ من كثرة التلوث، والسماء تئن بشكل يدعو للقلق، بعد أن أكد العلماء أن مناخ الكرة الأرضية قد تغير وتبدل، لذلك فإن الأمل الوحيد لإنقاذ البيئة من مخاطرها وكوارثها هو الاعتماد على نشر الأشجار التي تعمل على تنقية الجو من الأتربة والدخان، أما من الناحية الجمالية والنفسية، فإنها تعطينا ما نسميه الأمان الجمالي، وتمنحنا الإحساس بالبهجة والمتعة، وتقربنا من ناموس الصدق والسمو، إضافة إلى فوائد لا تحصى لهذا المخلوق اللطيف الذي كرمه الله عزوجل أحسن تكريم.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية