تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


كل خميس..التجاهل أرقى أشكال الاعتراف

ثقافة
الخميس 20-10-2011
حكيم المرزوقي

لا شكّ أنّ كل واحد فينا –أميّا كان أم متعلّما- يمتلك دفترا صغيرا وشبه مهمل في مكان قصيّ من الذاكرة يدوّن عليه أسئلة وملاحظات (وحتّى خزعبلات)،

يودعها النسيان متعمّدا ولا يعود إليها إلاّ على إثر محرّض.. أو محرّضة.. ترى ماالذي جعلني اليوم أتصفّح هذه السطور فأجدها طازجة خضراء، لم تتنكّر لي ولم أتنكّر لها، بل أجدها تنفض الغبار عنّي، وإليكم بعض ما كتبته دون روتشة لأنّي مازلت أؤمن أنّ المسوّدات والبروفات أهم وأجمل من المعروض والمنشور الذي لم نعد نمتلكه وهرب من أيدينا نحو المتلقّي وقد حصّل ما في السطور: ماذا كان العالم قبل أن يتعلّم آدم الأسماء؟ هل ثمّة وجود فعليّ وحقيقي للأشياء قبل تسميتها؟.. ما معنى شجرة مثلا، عالم، حب، كرسي، حق، تفكير، كراهيّة، كتابة، أرض سماء..الخ -حتى (الخ) هذه - ماذا كان اسمها قبل أن نسمّيها؟!.‏‏

هل أنّ تسمية الأشياء تعني إيجادها.. ولمن الأسبقيّة ؟ للأسماء أم لمسمّياتها..إذا كان الشعر يعرّف بأنّه إعادة تعريف وإعادة تسمية للمفاهيم والعلاقات، فمن هو الشاعر؟ الشعر إذن هو تجاهل للأسماء وليس جهلا بها فمن يمنح اسما جديدا يقتضي به أن يعلم بالقديم.‏‏

مهلاً، لقد فاتنا شرط أساسيّ لاكتمال وجود الأسماء وهو القبول والتسليم.. وليس الإجماع طبعا.‏‏

مامعنى وجود كلمة احتلال مثلا دون أن أقبل بها، كيف لي أن أقدّم نفسي فنّانا دون أن تقبل بي، قد تسمّيني شيئا آخر أو لا تسمّيني إطلاقا فتلغي وجودي عن قصد أو عن غير قصد.‏‏

مهلاً مرّة أخرى، كيف نبرّر عن وجودنا ونحن نتحدّث عنه ونسمّيه..! لكنّ التجاهل شكل من أشكال الاعتراف، بل إنّ أكثر ما يؤرّقنا هو ذاك الذي نسكت عنه.. لعلّنا نعتقد بأنّه يهدّد وجودنا، ننتقم منه بجرّة قلم فيعود ليثأر منّا بزلّة من لساننا.‏‏

كيف يجرؤ ذوو البشرة البيضاء على رمي حبّة الحمّص السوداء من صحنهم مع أنّها تؤكل وليست ضارّة..! هل في الأمر عنصريّة نائمة؟.‏‏

كيف يجرؤ أحد الجهابذة من الذين كلّفوا بتدوين موسوعة عن القوميات في الشرق الأقصى من حذف جماعة بكاملها لمجرّد أنّ عددهم في نظره قليل ومعتقداتهم لا تروق لشخصه الكريم..!‏‏

هكذا – وبكلّ بساطة - يمكن لأحدنا أن يمارس إعدام الأسماء على الورق دون شفقة وبجرّة من قلمه العتيد يقيم لهم مقبرة جماعيّة في الملتقيات والمهرجانات والموسوعات والندوات فمنهم من يغدو شهيدا ومنهم من يمسي مخلّدا أو ملمّعا أو مسوّقا ومنهم من يقضي نحبه ومنهم من ينتظر.‏‏

قد لاتسمن هذه السطور من جوعنا إلى النبالة والاحترام، لكنّها همسة محبّة كي لا يقتتل أهل الفنّ والثقافة على بقايا تمرة.‏‏

قد لا تطرد الكتابة السيئة الكتابة الجيّدة من الأسواق ولكنّها تطرد القارئ من المكتبات وتعلّمه الأميّة والتطاول والاستسهال.‏‏

hakemmarzoky@yahoo.fr

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية