دون أن يكون لها يد مباشرة في ذلك، وكأنه مكتوب على هذا العالم أن يظل يعاني من مشكلات وأزمات معقدة لا سبيل لحلها أو الخلاص منها كي تبقى هناك قوة عالمية وحيدة مهيمنة تنعم بالثروة والسطوة والسيطرة والنفوذ، تاركة شعوب العالم تئن من وطأة الظروف التي تفرزها الحروب من مجاعات وفقر وأمية وأوبئة وأمراض وكوارث مختلفة..إلخ.
والملاحظ أيضاً أن لكل معضلة أو مشكلة أو كارثة تصيب العالم ثمة مستفيد شبه وحيد هو الولايات المتحدة الأميركية، إذ لا يستطيع حتى المواطن الأميركي نفسه ــ والإعلام الأميركي الحرّ على قلته يتولى فضح ذلك من حين إلى آخر ــ أن يبرئ السياسات الأميركية من كل الكوارث والمصائب التي تواجهها شعوب العالم ودوله، ولا فرق بين عالم أول أو ثانٍ أو ثالث إلى آخر التصنيفات المعتمدة، وإن تباهى بعض الأميركيين والمعجبين ببلاد العم سام بالتطور العلمي والتقني والتكنولوجي والإعلامي أو ما يسمى (حضارة) القوة التي وصلتها أميركا في الخمسين سنة الأخيرة على حساب قهر الشعوب ومآسيها من تدمير حضارات ونهب ثروات وقتل شعوب بأكملها، ولعل أصدق دليل يمكن أن يقدمه باحث أو مثال يمكن أن يضربه هو الجشع غير المتناهي الذي يتميز به الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب، إذ ليس في تفكيره أو خياله أو في عقله الباطن والظاهر سوى الحصول على المال والنفط وما يمكن أن يكسبه بذريعة رفاهية وتقدم الشعب الأميركي، بينما سياساته الاستعمارية والعدوانية الطامعة جعلت من صورة الأميركي أشبه بحوت أو تمساح يزحف لابتلاع كل ما يصل إليه، أو ذلك المتوحش الذي يريد أن يفترس الجميع، وفي الذاكرة طبعاً مأساة الهنود الحمر سكان أميركا الأصلية قبل اكتشافها، حيث أبادهم المستعمرون الأوروبيون عن بكرة أبيهم كي يحكم راعي البقر (الكاوبوي) بكل عنصريته واستكباره وعجرفته العالم، بماكينة إعلامية حادة وبروباغندا مضللة إلى جانب قوة عسكرية مدمرة وفانية، وفي الذاكرة أيضاً مآسي هيروشيما وناغازاكي وفيتنام وكوبا وأفغانستان والعراق وإيران وسورية واليمن وليبيا ولبنان ويوغسلافيا والقائمة تطول... ولو يجرؤ الأوروبيون على قول حقيقة ما جرى في الحرب العالمية الثانية لتحدثوا عن مآسي شعوبهم التي تاجر بها الأميركيون خلال تربعهم على عرش الهيمنة والنفوذ.
فبعد (الحرب على الإرهاب) التي وقعت شعوب منطقتنا بشكل خاص ضحيتها منذ اعتداءات 11 أيلول وما قبلها، مروراً بـ (الربيع) العربي الأسود الذي كانت واشنطن عرابته ومحركته من ألفه إلى يائه، حيث ما زلنا نعاني بعض تفاصيله المدمرة حتى هذه اللحظة، وصولاً إلى الحروب الاقتصادية من حصار وتجويع وضغوط سياسية لتحقيق مكاسب وامتيازات، يأتي اليوم فيروس كورونا (كوفيد 19) ليكمل مشهد الرعب الذي يجتاح الكرة الأرضية هذه الأيام، إذ استطاع هذا الكائن الطفيلي المجهري أن يقلب العالم ويثير الهلع ويقطّع أوصال الكرة الأرضية ويتسبب بهبوط الأسهم ويلحق بالبورصات خسائر بمليارات الدولارات، بالتزامن مع ضخ إعلامي غير مبرر وبروباغندا مجنونة ضد دول بعينها مثل (الصين وإيران) ــ الدولتان تعانيان من ضغوط أميركية وحالة تشبه إعلان الحرب عليهماــ ومن ثم إلى عدد كبير من الدول المنافسة لأميركا في أوروبا، ما يطرح تساؤلات كبيرة حول ما إذا كانت القصة مجرد مصادفة أم أن وراءها أيد شيطانية خفية تريد أن تعيد رسم خرائط العالم مجدداً وبرمجته اقتصادياً بحيث يقع في اليد الأميركية الجشعة التي فقدت الكثير من قوتها في السنوات الأخيرة، بعد أن طالت عقوبات إدارة ترامب الحلفاء والخصوم على السواء.
الجميع يدرك بأن واشنطن هي في حرب تجارية خاسرة مع الصين الدولة الصناعية المتقدمة بثقة إلى موقع الصدارة، ففي مراكز صنع القرار الأميركي الرئيسية سواء في البيت الأبيض أم البنتاغون أم وكالة الاستخبارات الأميركية وصولاً إلى الكونغرس والشركات الرأسمالية الكبرى ثمة من يعطي أولوية قصوى للمواجهة مع الصين بسبب المكانة التي وصلت إليها هذه الدولة اقتصادياً وعلمياً وصناعياً ومالياً وصولاً إلى الجانب العسكري، ما دفع العديد من المحللين السياسيين والمراقبين لاتهام الولايات المتحدة بالوقوف خلف حرب الكورونا الجديدة، وقد نقرأ في المرحلة القادمة معلومات أو تسريبات عن خلفيات وتفاصيل هذه الحرب، ففي أميركا مختبرات هائلة متخصصة بالحرب البيولوجية والجرثومية ونشر الفيروسات المسببة للأمراض المعدية والأوبئة القاتلة، إلى جانب مصانع الأدوية العملاقة التي تستغل كل حالة ارتباك تصيب العالم في هذا المجال، وتستثمر فيها مادياً وبطرق بشعة بعيدة عن قيم الإنسانية والحضارة.
لاحظوا مثلاً كيف أن الوباء الذي أصاب العالم تركز على الإنسان وما يتعلق به من وسائط النقل والسياحة والتجارة والفعاليات الرياضية والمجتمعية والدينية والثقافية والتفاعل الحقيقي بين الدول والشعوب وهذا من الممكن أن يؤدي إلى انهيار اقتصادي عالمي بسبب الخسائر التي ستمنى بها قطاعات حيوية في كل بلد، وبالتالي ستخلخل أحلافاً قائمة وربما تبرز أحلاف أخرى إلى الواجهة، فالأميركيون لم يعودوا متمسكين بحلف الناتو والعديد من الأحلاف الاقتصادية التي أبرموها، والملاحظ هنا أن الإعلام والفضاء الافتراضي من مواقع تواصل اجتماعي قد استثنيت من هذه الضجة، بل بات الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بصورة خاصة الأداة الفعالة في نشر هذه البروباغندا المخيفة..!
فمثلاً كان الفيروس في طريق الانحسار تدريجياً حيث اقتربت الصين من محاصرته والقضاء عليه، وثمة من يؤكد أن الصينيين توصلوا إلى دواء يحد من خطر الفيروس، كما سمعنا عن فرق طبية صينية ذهبت إلى إيطاليا من أجل المساعدة بمحاصرة الفيروس، غير أن العالم فوجئ بطفرات جديدة وطرق عدوى جديدة غير متوقعة وحالة من الهلع والخوف أدت ببعض المجتمعات لسلوك عادات غريبة في التعاطي مع الظروف الطارئة!.
الملفت أن قيادات غربية انتقلت من حالة النكران للفيروس وتسميته بفيروس صيني أو إيراني أو طلياني إلى تصريحات نارية أقل ما يقال في وصفها أنها مجنونة، فالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تقول إن ٧٠ % من الشعب الألماني سيصاب به، فيما رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون (ترامب الصغير) يقول: (سنحزن على فقدان الكثير من الأعزاء)..!
أما المجنون دونالد ترامب فقد أعلن حالة الطوارئ الوطنية بعد كل تندراته وسخريته من الصين والفيروس على التويتر وفي كل يوم يعقد مؤتمراً صحفياً لاستغلال الحدث.. فما الذي يجري حقيقة..؟!
لن نستبق الأحداث، ولكن ثمة أكثر من قطبة مخفية أو سيناريو خفي يتم تمريره بخبث ودهاء، ربما الغاية منه إفقار المزيد من الدول ومحاصرتها وتجويع شعوبها المناوئة للسياسات الأميركية العدائية، وإدخالها في معارك ومآزق وأزمات قد تؤخر أو تؤجل نهوضها وخلاصها من مشكلات ومطبات وضعتها أميركا في طريقها.
من الجيد واللافت في حدث الكورونا أن سورية رغم كل ما عانته خلال تسع سنوات من الحرب والإرهاب والحصار الاقتصادي والضغوط السياسية والإعلامية، كانت عصية على هذا الفيروس الذي يجتاح العالم غير عابئ بالحدود وعلى غيره من الأمراض والأوبئة التي تفرزها الحروب باعتراف وشهادة منظمة الصحة العالمية، وهذا يدل على صحة الإجراءات والرعاية الصحية التي توليها الدولة السورية كل اهتمام.. فكونوا بخير ولا تقلقوا..!!