لكن في زمن الفضائيات أصبح صعبا أن تبقى الأبواب مغلقة والهموم مفرقة حتى القلوب فتحت طوعا وخير دليل على ذلك برنامج (افتح قلبك) الذي لجأ اليه كثيرون لحل مشكلاتهم فالزوج الذي خاصم زوجته أو العكس لم يعد يلجأ إلى حكم من أهله وآخر من أهلها بل إلى البرنامج المذكور ليتصارحا بعد أن تفتح الستارة أمام ملايين الناس ويطرحا مشكلتهما على الملأ..
وأخرى في البرنامج نفسه تجبر الشاب الذي بقيت تراسله لسنوات عبر شبكة الانترنت أن يأتي للقائها دون أن يعلم بهول المفاجأة التي تنتظره.
( أريد حلا) أو ( مشكلة وحل) عناوين كنا نقرأها في المجلات والدوريات تحت أسماء وهمية لكن اليوم تغير العنوان ليصبح على فضائية مثل ( وسيط الخير) أو( أريد شريكا) وبأسماء صريحة, فمشكلات الزواج والتعارف تحلها ببساطة وتؤمن لك شريك المستقبل بكبسة زر ترسل من خلاله طلبا عبر SMS للبحث عن الشريك وسيظهر على الشاشة فورا بعد أن تكتب كلمة غير متوفر وهذه الفضائية ترضي جميع الاذواق وحسب الطلب وغير المتوفر لديك موجود, فعندها الفتاة الدلوعة والمرحة والطيوبة والمتعلمة والشاب المجنون والعاقل الجاهل والكريم والرومانسي والجامعي والجاد جدا والمتزوج والمطلق ومن لم يسبق له الزواج ناهيك عن أن للزواج أنواعا منها الشرعي والمسيار, لكن قبل أن تتقدم بطلبك هذا يجب أن تعرج على قناة الحقيقة لتطلعك على حقيقة نفسك من خلال شيخها الجليل (دستور من خاطرو) فلديه لكل عقدة حل.. إذ يفك السحر الذي كنا نعتبره شعوذة ويمارس في الخفاء ويلاحق ممتهنوه قانونيا ولا يقصده إلا السذج والبسطاء من الناس.
بربكم ألا تعيدنا مثل هذه الفضائيات إلى عصور كنا ننتقدها, و نتفاجأ لدى سماعنا أن إحداهن تزوجت على الصورة أو أن أحد الشبان ارتبط بالفتاة التي اختارتها والدته بعد أن خضعت للاختبار, أليس في ذلك امتهان لكرامة الطرفين معا?
ألهذه الدرجة أصبحت مشاعر الإنسان رخيصة? حتى طغت المادة على كل شيء في حياتنا لتقتل ما تبقى فينا من روح بانتظار قدوم إنسان لا نعرف عنه شيئا... ربما يأتينا من وراء المحيطات لنبني معه بيتا على أسس غير صحيحة ولنكتشف بعد فوات الأوان أننا تمنينا بالأوهام وأن العواطف لا تتحدد بزمن, فالذي قال:( نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء) لم يكن يدري أن هناك زمنا رديئا سيأتي ليلغي النظرة والابتسامة وليعمل القلب على الريموت كونترول فيصبح الموعد عبر الانترنت أو SMS واللقاء لعبة قدر نحن صنعناه.