فالمستعمرون يشتمون الفلسطينيين العزل ويرمونهم بالحجارة, لقد هاجموا الوفد الذي يترأسه وقد جاء إلى فلسطين ليطلع على حقيقة الأشياء على الأرض. ما دفعه إلى التساؤل مرارا ) كيف يمكن وباسم اليهودية أن يتصرف هؤلاء بتلك الطريقة? كيف يحول حيّ تجاري عربي إلى مدينة أشباح لحماية بضع مئات من المستعمرين?
لقد كان أندرو فانستان يترأس وفدا مؤلفا من اثنين وعشرين من دعاة المدافعين عن حقوق الإنسان وأعضاء في المؤتمر الوطني الإفريقي وقضاة وصحافة وكتاب وغيرهم, يشكلون مجموعات من البيض والسود والهنود واليهود ومعظمهم من جنوب إفريقيا, جاؤوا إلى الأراضي المحتلة وخاصة إلى مدينة الخليل ونابلس لتقصّي الحقائق عن كثب, كما جالوا في القدس الشرقية وحاجز الأمن والتقوافي تل أبيب بمنظمات ومدافعين عن حقوق الإنسان من شتى أنحاء العالم, جاؤوا لمحاولة فض النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين, لم يرم الوفد المذكور إلى إيجاد حلول لقضية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أو إجراء مقارنة مع نظام الاباريتد الذي عانى منه الجميع في جنوب أفريقيا ولم يأتوا لينكروا حق إسرائيل في الوجود لكنهم صدموا جراء ما يعاني منه الشعب الفلسطيني على حد تعبير أحد القضاة اليهود في الوفد غولف بود لندير ويتابع: لقد صدمنا حقا نتيجة اتساع المستعمرات والطريقة المتوحشة التي يعامل بها الشعب الفلسطيني وكأنه من الدرجة الثانية, وذهلنا بسبب ثقل ووطأة الاحتلال العسكري والسيطرة على كل مظاهر الحياة اليومية واتساع الهوة بين المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني.
كما أن أحد الأعضاء وتدعى ( باريراهو غان) وقد قضت ثماني سنوات في سجون جنوب أفريقيا لأنها احتجت ضد الفصل العنصري قد ذهلت بما شاهدته في الضفة الغربية من مآسٍ وويلات وطرقات مفصولة بفعل المستوطنات إذ ينبغي على الفلسطينيين الحصول على إذن من السلطات الإسرائيلية للتنقل مما ذكرها بنظام ) بطاقات المرور( للسود في جنوب أفريقيا.
لقد استغربت باربرا من كون الذين لاينتمون إلى العرق الأبيض يعيشون في المناطق المنفصلة ولكن في إفريقيا الجنوبية ليس ثمة طرق منفصلة وحاجز أمن ونقاط تفتيش وماشابه ذلك وكل ذلك عبثي وتتساءل إلى أين ستمضي هذه الأمور كلها?.
ولقد صعقت أيضا بما شاهدته في الخليل من عدم وجود عدالة وحقد ويأس وتتذكر الخوف والحذر في عيون الأطفال الفلسطينيين الأبرياء وعاينت الصمت المطبق في مخيم بلاطة في شوارع نابلس في نابلس حكم على سعيد العتبة, العضو في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بالسجن مدى الحياة لارتكابه اعتداء أودى بحياة شخص اسرائيلي واحد وجرح آخرين ومازال مسجونا منذ إحدى وثلاثين سنة, بعد الحكم على نيلسون مانديلا كان الأمر يستوجب احدى وعشرين سنة حتى تفرض عقوبات دولية ضد نظام الفصل العنصوي ( الأباريتد) ) ولكن هنا والقول للقاضي دينس أحد أعضاء الوفد,:ور(.
وهنا يؤيد ( مونديلي ماكهاينا) رئيس تحرير مجلة صاندي تايمز الأسبوعية الأكثر انتشارا في جنوب أفريقيا كلام زميله إذ يقول: إن نهاية النفق , بالنسبة للفلسطينيين, أكثر ظلمة من الظلام نفسه ويضيف كنا نعلم أنه في يوم ما سينتهي كل ذلك , وأن قوانين التمييز العنصري ستلغى هنا ليس قانونا, إنه الإحتلال الذي يجعل من الفلسطينيين كائنات من منطقة أخرى ودرجة أدنى .
وتذكر )باربرا هو غان( أن كلمة ) أباريتد( والتي تعتبر إهانة أو شتيمة في إسرائيل تستعمل بحذر من جانب الرجال والنساء الذين يذكرون أنه منذ فترة قصيرة كان يطلق عليهم صفة الإرهابيين من قبل الحكومة البيضاء في جنوب أفريقيا وفي شرق الضفة الغربية حاول الوفد المذكور الإطلاع عن كثب على جدار الفصل والذي أطلق عليه الإسرائيليون تسمية جدار الأمن, إلا أن السلطات الإسرائيلية أوعزت إليهم بالابتعاد حالا لأنها اعتبرت ذلك بمثابة مظاهرة وقد صرخ فيهم عسكري عالي الرتبة بمكبر الصوت أن يرحلوا, ومع ذلك استطاع الوفد أن يطلع من الفلسطينيين عن وضع جدار الفصل الذي أفسد عليهم حياتهم ومعيشتهم كما صرحوا, ولخص رئيس الوفد ( أندروفانستان) مشاهداته بالقول إنه لشيء محزن جدا ومخزي أكثر أن يتم ذلك باسم اليهودية .