ومن المتوقع أن يكون لدى الجانبين الروسي والأوروبي خلال العقد القادم المزيد من الخيارات مقارنة مع ماهو سائد اليوم, ونتيجة لأسباب جيوسياسية بفعل الحرب في القوقاز فإن كلا الجانبين قد ينتهجان خيارات غير مسبوقة, ولاسيما أن الروابط الحالية بين روسيا وأوروبا آخذه بالتضاؤل.
فاستناداً للاحصائيات التي أجراها الاتحاد الأوروبي بلغت وارداته من النفط الروسي 33% عام 2006 والذي يشكل 28% من استهلاكه, أما بالنسبة للغاز فقد بلغت واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الروسي 42% والذي يشكل 27% من نسبة استهلاكه للغاز.
لقد زادت واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز المستورد ويتوقع أن يزداد استيراده لهذه المادة إلى 68% بحلول عام 2030, فالمصلحة مشتركة بين الجانبين إذ إن صادرات روسيا من الطاقة إلى أوروبا تعود عليها ب 60% من مجمل عائداتها من صادرات الطاقة وبالتالي من الصعب أن يكون لدى أي من الجانبين الروسي والأوروبي خيارات أخرى قابلة للحياة خلال السنوات القليلة القادمة, ولكن في حال ضعفت العلاقات بينهما فأمامهما ستكون خيارات أو بدائل أخرى ستتجلى خلال الدورة النصفية القادمة الممتدة من 5 سنوات إلى 10 سنوات والذي من شأنه أن يحد من علاقتهما فيما يخص الطاقة.
وسوف تقوم أوروبا بعدد من الخطوات من خلال تسريع العمل ببرامجها التي هي الآن قيد الإنجاز ولكن بشكل عام قد يقدم الاتحاد الأوروبي على تقليص اعتماده على الهيدروكربون المستورد من موسكو.
أما بالنسبة للغاز فقد زاد الاتحاد الأوروبي امداداته من الغاز المستورد من النرويج على حساب الصادرات الروسية, ففي عام 2000 وصلت واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الروسي إلى 49% بينم وصلت امداداته من النرويج إلى 21% وفي عام 2006 قلصت روسيا صادراتها من الغاز إلى الاتحاد الأوروبي ليصل إلى نسبة 42% بينما تنامت تلك الواردات من النرويج بنسبة 24% إذ تمتلك النرويج احتياطي غاز يمكنها من زيادة صادراتها إلى الاتحاد الأوروبي.
كما اتجهت أوروبا للحصول على الغاز من جنوب افريقيا إذ يتمركز أحد خطوط الامداد في الجزائر والآخر في ليبيا.
ويعتبر الغاز الطبيعي السائل مهماً ولكنه خيار باهظ الثمن بالنسبة للاتحاد الأوروبي, فعلى أوروبا القيام ببناء محطات تحويل الوقود إلى غاز من ثم دفع زبائن الاتحاد الأوروبي من شمال شرق آسيا لامداده بالغاز.
وقد قامت دول الاتحاد الأوروبي ببناء 14 محطة لتحويل الوقود إلى غاز سائل مع نهاية 2007 وهناك 14 محطة أخرى قيد البناء, فزيادة الاعتماد على طاقة الرياح والطاقة الشمسية من شأنه أن يقلل من الاعتماد على الغاز في توليد الطاقة كما تلعب الطاقة النووية والفحم الحجري النظيف دوراً فاعلاً ليحلا محل الغاز الطبيعي وخاصة في أسواق كل من بريطانيا وشرق أوروبا وإيطاليا.
أما بالنسبة لروسيا فأمامها أيضاً خيارات عدة لتوزيع سوق صادراتها فاتباع استراتيجية متنوعة واعدة يستلزم انخراط بكين, فهل اختارت روسيا في نهاية المطاف لتضمين خططها الرامية لبناء خط أنابيب ضخم يصل إلى الصين ليزودها بالغاز لخمس سنوات قادمة?
فاستخدام مسالك الصين الجديدة سوف يحرم أوروبا من الحصول على كميات كبيرة من الغاز الروسي بينما تزود الصين بانتاج اضافي. إن هذا السيناريو سيكون مكلفاً بالنسبة لروسيا انطلاقاً من التكاليف الضخمة التي سيتكبدها تطوير البنية التحتية.
أما الجانب الايجابي بالنسبة لهذا السيناريو فهو يتمثل بابداء الصين رغبة جامحة لدفع أسعار مرتفعة مقابل حصولها على الغاز الطبيعي الروسي السائل والذي يشير إلى تزايد الطلب على الغاز الروسي المستورد, الأمر الذي قد يؤدي إلى عقد اتفاق مع موسكو حول تكاليف مد خط أنابيب للغاز الروسي يصل إلى الصين.
أما بالنسبة للنفط فخط أنابيب مضيق الباسفيك لشرق صربيا من المرجح أن يزود الأسواق الآسيوية ب 000600. برميل يومياً بحلول عام 2010 وفي العقد القادم عند وصول المشروع إلى مرحلته الحادية عشرة, فمن المتوقع أن يزود المستهلكين الآسيويين بمليون برميل يومياً.
نصل إلى نتيجة مفادها أن هذه الخيارات المطروحة أمام روسيا وأوروبا ليست مغرية أو محطة جذب اقتصادي ولكنها تبقى مجرد خيارات مطروحة.
فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو ماالذي يدفع الأوروبيين والروس للبحث عن خيارات جديدة قد تقود إلى الطلاق بينهما?
إن العامل الجيوسياسي الناشئ في منطقة القوقاز بعد احتدام النزاع بين جورجيا وروسيا قد يشكل أحد الأسباب لفرط الشراكة الأوروبية الروسية ولكن لايسهم هذا العامل في ابتعاد الطرفين عن بعضهما البعض, من المهم من وجهة النظر الأوروبية أن تبرهن روسيا أن ماحدث في جورجيا لن يتكرر مرة أخرى, فروسيا تريد أن تكون علاقاتها جيدة مع أوروبا شريطة ألا تشكل بولندا ودول البلطيق أي تهديد للأمن القومي الروسي, وفي حال تم نصب منظومة الدرع الصاروخي الأمريكي في بولندا فإن روسيا ستقلص بالضرورة من تدفق نفطها وغازها عبر خط دروجبا إلى بولندا, فسياسة روسيا تجاه أوروبا في مجال الطاقة مرتبطة بمدى تجاوب الأوروبيين بالحرص على الأمن القومي الروسي تحديداً.