تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ذاكرة الأدب الروسي..

كتب
الأربعاء 4-1-2012
الأدب الروسي أحد أغنى آداب العالم.. إسهامه في تاريخ الثقافة الفنية للإنسانية فريد فرادة المسيرة التاريخية لروسيا.. عكست أعمال مبدعيه التجربة الحياتية للشعب الروسي، فلسفته ، أخلاقه ونظرته إلى العالم والوجود في الأطوار التاريخية المختلفة ،

وفي هذا السياق أعطت الأرض الروسية البشرية عدداً غير قليل من عباقرة فن الكلمة الأفذاذ، أمثال ( ميخائيل لومونوسوف) ألكسندر راديشيف، الكسندر بوشكين، نيكولاي غوغول، ميخائيل ليرمنتوف، فيساريون بيلينسكي، ألكسندر هيرتس، إيفانتورغنيف، نيكولاي نيكراسوف، فيودور دوستويفسكي، ليف تولستوي، أنطون تشيخوف، ألكسندر بلوك، مكسيم غوركي، إيفان بونين، بوريس باسترناك، فلاديمير نابوكوف، ميخائيل شولوخوف، أنا أخماتوفنا، ألكسندر سولجنسين).‏

يقدم هذا التاريخ الذي أعدته جامعة كمبردج رسماً شاملاً للأدب الروسي منذ البدايات وحتى تسعينيات القرن الماضي أي يشمل تحديداً ألف عام بالتمام والكمال ( بدءاً من عام 988 ميلادية، عام ( تعميد روسيا) أو اعتناقها المسيحية - وانتهاء بمطلع التسعينيات- تاريخ انهيار النظام السوفييتي.‏

اضطلع بتأليف هذا العمل المؤلف من أحد عشر فصلاً، أحد عشر باحثاً أكاديمياً ( مؤلف واحد لكل فصل) إضافة إلى المحرر الرئيسي تشارلز أ.موزر، بحيث تناول كل باحث فترة زمنية في تاريخ الأدب الروسي هي في الأساس حقل تخصصه ومجال اهتمامه البحثي لاحقاً وهم من جنسيات مختلفة بريطانيين ، أميركيين ، سوفييت سابقين وأوروبيين غربيين.‏

أهم نقطة مميزة لهذا (التاريخ) شموليته ، فقد شمل مجمل النتاج الأدبي المكتوب باللغة الروسية المنشور داخل روسيا وخارجها على حد سواء.‏

البداية كانت مع (الأدب الروسي القديم بين 988-1730 حيث يدرس ملحمة (إيفور) المؤلفة فيما بين 1185 تاريخ وقوع الأحداث التي تشكل مادتها والأول من تشرين الأول 1187م تاريخ وفاة والد زوجة إيفور الأمير ياروسلاف أسموميسل من غاليتسي الذي يرد اسمه في الملحمة كشخص على قيد الحياة.‏

تصف ملحمة إيفور حملة ضد البولوفتسينا الرحل الترك الذين هاجموا الروس انطلاقاً من السهوب الجنوبية الشرقية في أواسط القرن الحادي عشر، ولم تكن الحملة التي قادها إيفور سوى مشهد واحد من الحروب ضد هذا الشعب الغازي، لكنه مدون في مجموعتي لافرنتي وإيباتي للمخطوطات الروسية القديمة. تميز الأدب الروسي القديم بالملحمة القائمة على سيرة بطل شعبي وفي المقام الأول معظم الأدب الروسي القديم لم يكن من قبيل ما يمكن أن نعده قصصاً فنية أو أنه على الأقل قد تمثل من خلاله تعامله مع وقائع الحياة الفعلية. في المرحلة المبكرة كان «تاريخ الأحداث» أحد الأجناس الأدبية الرائدة، مثال ذلك «تاريخ الأحداث الأساسي» الذي قام أوبني أساساً على انجازات المؤرخين البيزنطيين ضد الجنس في أساسه «وقائعي» الطابع وإن كان ينطوي على بعض عناصر الخيال الفني أو على الأقل عناصر متخيلة غير حقيقية في الواقع ، كان الجنس الرائد الآخر هو «السيرة الدينية» الذي تعامل مع وقائع أو حصيلة السيرة الحياتية لذوي القداسة من الرجال والنساء.‏

الفصل الثاني تناول القرن الثامن عشر تحت عنوان الكلاسيكية الجديدة والتنوير (1730- 1790).‏

فبعد رفض متعاظم لميراث روسيا القروسطي رجع مبدعو الأدب الروسي في القرن الثامن عشر إلى النماذج الكلاسيكية وأنتجوا أدباً على غرارها وعلى هدي مبادئها، لكن لم تمثل هذه المقاربة الجديدة قطيعة جذرية فورية مع المبادئ الأدبية السائدة إلى وقت قريب فالكلاسيكية الجديدة في الأدب تعاملت مع ماهو عام مشترك عند كل الشعوب في كل الأمكنة وكل الأزمنة ، وعلى هذا النحو كان ثمة عنصر عالمي مكون في الكلاسيكية الجديدة تساوق جيداً مع المنظور العالمي فلم تعد القومية العنصر الأساسي في الاستشراف الثقافي الروسي، إضافة إلى أن الأدب في مرحلة الكلاسيكية الجديدة قد طرح مسائل أخلاقية واجتماعية وقضايا تخص المجتمع بالاجمال .‏

والفصل الثالث تناول الانتقال إلى العصر الحديث حيث بواكير الرومانتيكية بين (1790- 1820) حيث مرت الامبراطورية الروسية بمرحلة تململ واضطراب ابتدأت إثر قيام الثورة الفرنسية واستمرت مع صعود نابليون وفترة حروبه التي شهدت الغزو الفرنسي لروسيا عام 1812 ثم احتلال باريس وانتهت مع الحراك الفكري الذي بلغ ذروته في الانتفاضة الديسمبرية في عام 1825. في تلك الفترة لم يكن ممكناً توجه قسم كبير من طاقات الأمة نحو الأدب.‏

الأدب الروسي جاء بزخمه القوي الذي أعطاه ازدهار الواقعية في الفترة الممتدة من عام 1855 إلى عام 1880 .‏

كانت الفترة الواقعة بين عام 1880 العام الذي أتم فيه دوستويفسكي نشر روايته الأخيرة وخضع تولستوي لأزمته الفكرية والروحية وعام 1895 فترة نشاط ثقافي أقل ، على الرغم من أن أي عصر احتوى كتاباً من مثل قامة تشيخوف لابد أن يعتبر متميزاً. في عام 1894 مات القيصر الكسندر الثالث بعد حكم دام طيلة هذه الفترة المشار إليها تقريباً ومع اهتمام قليل بالمسائل الأدبية بخلاف معظم أسلافه، وفي النطاق الأدبي كان عام 1895 عاماً شهد ولادة مسرحية تشيخوف (طائر النورس) الأولى بين أربع مسرحيات رائعة تتالت خلال فترة كرست في معظمها لكتابة القصة القصيرة- العمل المهم الذي تضمن عناصر حداثية وحتى رمزية مؤذناً ببعث ثقافي جديد.‏

شهدت هذ المرحلة الانتقالية على الصعيد الأيديولوجي هيمنة تولستوي في أواخر حياته الذي انكب بعد أزمته الفكرية- الروحية في عام 1879 - 1880 ، على الوعظ الأخلاقي في الأدب وطور وجهة نظر سميت لاحقاً بالتولستوية ومفادها بشكل رئيسي عدم مقاومة الشر بالعنف- وجمع حوله مريدين ، أشار في قصته القصيرة «موت إيفان إيليتش» إلى أن الحياة الأكثر عادية هي الحياة الأكثر فظاعة، وتبرز الأعوام فيما بين 1880 و 1895 كمرحلة انتقالية في الأدب الروسي، مرحلة ذات خواتيم حاسمة وبدايات تجريبية في غضون بضع سنوات، وبعد عام 1880 غيب الموت كثيرين من مؤسسي واقعية القرن التاسع عشر العظام أمثال دوستويفسكي وتورغنيف، وقضى كتاب مشهورون آخرون أمثال أوستروفسكي وسالينكوف- شيدرين لاحقاً خلال العقد ذاته، ومع مطلع العقد هذا خضعت شخصية أدبية بارزة- ليف تولستوي لأزمة فكرية- روحية قادته إلى الانسحاب مؤقتاً من ميدان الأدب.‏

ركز تولستوي لاحقاً قناعاته حول الجمال وسماته في الفن في بحث له بعنوان «ما الفن؟» مؤكداً عبر أشكال بسيطة على القيم والحقائق الأخلاقية. وانتقل تولستوي في عمله إلى أبعد من الحكايات البسيطة التي كتبها خصيصاً لجمهور واسع في مطلع الثمانينات ولاحقاً في غضون هذا العقد بدأ من جديد كتابة القصص الفنية مخاطباً جمهوراً أرفع مستوى من حيث الثقافة ناشراً بأعمال فنية بارعة، الدروس التي استمدها من اضطرابه الروحي ، الفكري.‏

وربما تكون قصة (موت إيفان ايليتش) عام 1886 الأروع بين هذه الأعمال، فتعتبر بمثابة دراسة رصينة لمسائل أساسية جداً متعلقة بالحياة والموت، وأبدى تولستوي مهارة كبيرة في بناء السرد وتقنيته حيث استهل حكايته عن إيفان ايليتش بفضح سافر للاستجابات الأنانية لكل من زملائه وأسرته بخصوص موته (أي إيفان ايليتش) ثم ركز اهتمامه تدريجياً للحديث كيف عاش إيفان وصولاً إلى تفحص سيكولوجيا هذا الرجل وهو يحتضر .‏

عرى تولستوي في كل مرحلة من هذه العملية قشور النفاق والعرف التي تستر أو تقنع بها المجتمع، وفي هذا الإطار أشار إلى أنه على الرغم من محبة زملاء إيفان ايليتش له، إلا أن أفكارهم الأولى عقب علمهم بنبأ موته تعلقت بالفرص الجديدة للترقية التي انفتحت أمامهم. على نحو مشابه بدت أرملته المصابة والحزينة افتراضاً أكثر انشغالاً بأمر الاستحصال على راتبه التقاعدي منه بفقدان شريك حياتها...؟!‏

تيار الحداثة‏

تتميز الفترة الممتدة من عام 1895 وحتى عام 1925 المدة الأعقد على امتداد تاريخ الأدب الروسي بالكامل، بهيمنة تيار الحداثة بمظاهرها المختلفة: الرمزية، الطليعية، المستقبلية، الأكمية، الشكلانية وعدد آخر من المذاهب صاغها وأنشأها كتاب نظروا إلى الثقافة ككينونة- تبدعها العقول الإنسانية.‏

عموماً يرجعون بدايات الرمزية الروسية إلى مقالة نقدية مهمة نشرها دميتري ميرجكوفسكي في عام 1893 بعنوان (حول أسباب إعداد الأدب الروسي المعاصر وحول تياراته الجديدة) فأدب المرحلة الأولي من العشرينيات الذي تعاطى مع هذين الحدثين، بقي حداثياً في مقاربته حتى حدود عام 1925.‏

مثل العام 1925 نقطة فاصلة في النطاق الأدبي لأسباب عدة وبدأ عصر الحداثة كتمرد واضح ضد الميراث المادي لستينيات القرن التاسع عشر.‏

الكتاب: تاريخ الأدب الروسي .تحرير : تشارلز أ.موزر. - ترجمة: د. شوكت يوسف. سلسلة تاريخ الآداب. - الهيئة العامة السورية للكتاب - قطع متوسط في 717 صفحة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية