تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


كائنات نصوص «من دَسَّ خُفَّ سيبويه» نحوية

كتب
الأربعاء 4-1-2012
هفاف ميهوب

كتب ما كتب.. ثم أخذ يعمل في النص حاذفاً.. حاذفاً.. كلمة تجرح وأخرى تطرح وأخرى تشق وأخرى ترحل.. تجاوز هذه لا تلك.. تكره تكون الضرة تشاركها الصوت. وكلمة لم تجيء. أبقى مكانها أبيض بين السطور ثم حذف.. حذف.. بقيت الكلمات البيضاء..

هذا نص عنوانه «أعراس بيضاء» وهو أحد النصوص التي استهل بها الكاتب الجزائري (عبد الرزاق بوكبّة) مجموعة نصوصه في «من دس خف سيبويه في الرمل؟» قد يبدو هذا العنوان غريب تماماً لدى القارئ الذي ما إن يقرأ النصوص حتى يدرك بأن إصرار «بوكبّة» على كتابة بعضها باللهجة الجزائرية - لهجته - إنما يدل على أنه لا يكتب إلا بعنفوان اللغة التي تقصد أن يرصعها بمفردات الحب والجمال والتي أرادها أن تنتصر على العنف والتعصب والطغيان والبشاعة.‏

إذاً، هي حكمة المتمكن من اقتناص البياض سبيلاً لتدوين ما اختصر وعبر، ومن خلال إقحام الرمز في مضمون، ابتكارات اللغة فيه متمردة على كل لغة سردية طويلة، رأى أن من الممكن اختصارها وبمدلولات ومعان عدة، جميعها تصب لديه في معنى ومدلول واحد هو الفعل البشري.‏

«مرة يعصر الليل تفاحة /مرة يقرأ الفجر زنبقة/ مرة يعتلي راحتيه رسولاً لأنثى المواويل.. تقايض دمعها بالأغنيات. وتحتسي ألق المدى فرحاً صغيراً، ثم يورق في جدائلها مرايا».‏

أيضاً.. في النصوص لغة شعرية واضحة، وهي أشبه بما سماه «نوبة».. النوبة التي أرادها تهز كلماته حد ارتعاش كل حرف من حروفه الولهى بنصوصه متدفقة العاطفة وبالغة الوعي.‏

هو يدرك إذاً، أن الكتابة أشبه بطقوس العبادة، تلك التي لا يعي قدسيتها إلا من آمن أن الكلمة، هي رسالة الروح والعقل والإحساس، للذاكرة الإنسانية، يدرك أيضاً، أن عليه استخدام ما يشي بصخب المعنى، وبما لابد أن يداهمه الصمت.‏

صمت الشعر حينما يعانق موسيقا الألفاظ..‏

«لا اختلاج لزيتون عينيك في مهمة الأمسيات..‏

وقمر يستعير هديل يديك لأنثاه..‏

وجع في السماء، وصهيل صنوبرة كما هي.. دبيب سؤال كناوشه راحتي:‏

ما الذي أنعش الصمت في الكلمات؟».‏

نكتفي، ليكون ما كتب عن (بوكبّة) هو ما ساعدنا على فهم نصوص، كتب كمقدمة لطبعتها الثانية (محمد شوقي الزين) الدكتور في جامعة إكس آن بروفانس، ما نقتطف منه:‏

«تتفتت الكلمات ثم تنفقع .. هناك شيء ولاشيء الصورة وحذفها الرغبة ومحوها الهمة ونحوها..‏

نستشف من كتاب «من دس خف سيبويه في الرمل» للكاتب «عبد الرزاق بوكبّة» نحواً يتذكر ويتأنث.. يتركب ويتأثث.. يتوحد ثم يتفتت».‏

اخترنا هذه العبارات من صفحات كانت لغتها ورموزها واختصاراتها تماماً كما كانت نصوص «بوكبّة» الذي أبى إلا أن يكون الفهرس بخط يده وبلا فهرس.‏

إنه إعلامي وروائي جزائري متخصص في الثقافة والأدب.. عمل مستشاراً في المكتبة الوطنية الجزائرية وأمين تحرير مجلة الثقافة 2004.‏

أيضاً، عمل كمعد ومقدم للبرامج الثقافية في الإذاعة الوطنية والتلفزيون الجزائري من أعماله: أجنحة لمزاج الذئب الأبيض وأيضاً، جلدة الظل ومن قال للشمعة: أفٍ؟ عطش الساقية وتأملات عابرة للقارات.‏

«من دس خف سيبويه في الرمل» الكتاب الذي صدرت طبعته الأولى عن المكتبة الوطنية الجزائرية ودار البرزخ 2004 والذي كتب الدكتور أمين الزاوي، مقدماً لها: «النص هو السقوط الحر في هاوية ترفعنا عالياً نحو علياء السماء التي بدورها ترفعنا نحو شلال الغواية.. إنه كتاب مفعم برأسمال العاطفة التي هي التاريخ العميق في الأدب، نداء الأم والقرية والطفولة والفقر والحلم والجسد والبلاد.. نداء وعناق والتحام تبشر به لغة أديب مقبل على تجربة تعلن عن كاتب حساس.. متفرد عفوي، بدوي، عميق.. لا ينكر ظله وأنفاسه ولا ينكر الآخرين الذين فيه والذين من حوله.‏

اقرؤوا هذا السفر.. فإنه يحقق المتعة والمعرفة وجحيم أسئلة الذات في مواجهة مفتوحة مع التاريخ والإبداع.‏

**‏

من درس خف سيبويه في الرمل؟ نصوص تأليف - الأديب الجزائري: عبد الرزاق بوكبة الناشر - فيسيرا للنشر 2011‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية