إن ما يفصل انتخاب أوباما عن توليه مهامه حسب الدستور الأميركي مهلة تقارب الثلاثة أشهر وقد تكون هذه المدة مزعجة للرئيس المنتخب الجديد وأنصاره, لكن قد تساعد على تمهيد الطريق أمام سياسة أكثر فاعلية في الشرق الأوسط بعا ثماني سنوات من إدارة بوش, والأسابيع القادمة لن تكون طويلة للبدء في مرحلة الانتقال وخلال هذه الفترة وما يليها هناك ورقة مهمة يمكن لفرنسا أن تلعبها.
في الواقع وبفضل تقاربها مع دمشق يمكن القول: إن باريس وضعت قدمها في منطقة من العالم كان تأثيرها قد تراجع فيها كثيراً فهي التي غابت عن الملف العراقي وبدت عاجزة في لبنان ولعبت دور المتفرج السلبي في الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني, ودخلت في بطانة الولايات المتحدة ما أفقد فرنسا شيئاً فشيئاً ميزاتها ودورها في )الشرق الأوسط( لكن الآن وبما أنها كانت البلد الأول في الغرب الذي كسر حاجز العزلة المفروض على دمشق فقد حازت باريس على ورقة لايستهان بها بعبورها المميز إلى دولة فاعلة في المنطقة سورية . أيضاً الانتخابات الأميركية أعطتها الفرصة لتلعب دور الربان في إدارة العديد من الملفات شرط أن تحول نجاحاتها السياسية إلى سياسة حقيقية, أما بالنسبة إلى سورية فالهدف الاستراتيجي طبعاً هو ليس باريس إنما واشنطن على أنه في العاصمة السورية كما في العاصمة الأميركية, الكل مدرك أن الحوار لن يكون سهلاً والحذر المتبادل يبلغ أقصى درجاته ولن يبدأ فريق العمل الجديد إلا بصعوبة , والسرعة في الحوار قد تنعكس بشكل سيئ وتؤدي إلى عودة التوتر بدلاً من العمل على تراجعه, فخلال ثماني سنوات مضت اعتادت البلدان على تبادل الاتهامات بالنوايا السيئة.
إن فريق أوباما كالفريق الذي سبقه يخشى أن يكون هدف سورية هو فقط تحسين علاقاتها مع الغرب وكسر الضغوط الدولية, كما أن الإدارة الأميركية الجديدة سوف تطلب دليلاً على حسن النوايا وذلك بأن يقوم الرئيس الأسد بإيقاف علاقته مع إيران وحزب الله وحماس لكن سورية من جهتها تبدو متمسكة بحلفائها وستبقى, وهي تدعو الولايات المتحدة إلى الحوار من هذا المنطلق ولا ترى ضيراً من إقامة علاقات جديدة تكمل العلاقات الموجودة بالأساس بين البلدين.
بالنسبة لفرنسا يمكن أن تتدخل في الأسابيع القادمة وتلعب دوراً في التخفيف من هذه المخاطر الملتبسة وأن تبرز فرص النجاح عن طريق الأوراق التي باتت تملكها مع دمشق, كما يمكن لقصر الاليزيه أن يشجع الإدارة الأميركية ويذكرها بإيجابيات الحوار مع الحكومة السورية والذي يمكن أن يؤتي ثماراً أفضل بكثير من الوضع القائم حالياً.
الملف الأول سيكون لبنان وتبادل السفراء بين دمشق وبيروت المتوقع حدوثه قبل نهاية العام الحالي والذي سيشكل خطوة ذات مغزى كبير, وعلى الرئيس ساركوزي أن يدعم مبادرات أخرى متممة أولها الإشارة إلى إعادة تعريف أكثر عمقاً للعلاقات السورية- اللبنانية ثم مراجعة الاتفاقات الثنائية الموقعة بين سورية ولبنان والتي يمكن للجنة برلمانية أن تقوم بها وهي حل وسط ما بين الصمت والرفض على أن تكون هذه الأساليب على درجة من المرونة لتكون أكثر قبولاً من دمشق, كما يمكن في الوقت ذاته أن توجد آليات قادرة على تهدئة الولايات المتحدة وحلفائها.
أما فيما يخص القضية الإسرائيلية- العربية فباريس الآن في موقع لم يسبق لها أن احتلته إذ يمكن أن تستفيد من علاقتها مع دمشق وبيروت والقدس لتلعب دور العرّاب في الاتصالات التمهيدية على أن تسهر على التنسيق وإعطاء الزخم للملف الإسرائيلي- السوري.
أخيراً وبالنسبة للعراق: فبمساعدة سورية فقط يمكن لفرنسا أن تطور علاقاتها مع الحركات المعارضة المسلحة حيث فشلت الولايات المتحدة وبريطانيا ومع الانسحاب التدريجي للقوات الأميركية والانتخابات التي ستهدف إلى إعادة التوازن في العملية السياسية العراقية ربما يمكن للوساطة الفرنسية أن تنجح في هذا المضمار. فرنسا أمامها فرصة للاستفادة من تجربتها المرموقة مع دمشق إذ يمكنها في آن معاً أن تكون شاهداً إلى جانب السوريين وأن توضح الطريق أمام الإدارة الأميركية القادمة لكن من أجل النجاح عليها أن تعطي زخماً أكبر للانفتاح نحو سورية. هي من يمسك بزمام الأمور وهي من يمتلك قدرات كبيرة لم تستغل بعد وعلى ساركوزي أن يتحرك بسرعة قبل أن تفوته الأحداث.