لقد صبرت الحرية على هذا الظلم كثيراً, ورأت بعينها كل المجازر وكل القتلة, وكلما كانت تصرخ لتعطي المحبة والعدل كانوا يهربون منها ويعتبرونها منبوذة ومشردة بل وكريهة!
وفكرت الحرية أخيراً, ماذا عليها أن تفعل حتى يصدقونها ويحبونها. وخطرت لها الفكرة العظيمة , وهي أن تحرر رجلاً واحداً من كل المسؤوليات ,وتتركه عليهم وأمامهم يتصرف ويأمر وينفذون, لكي يروا بأنفسهم ماذا هي فاعلة هذه الحرية الأعظم! وبالفعل وافقوا على فكرتها واجتمعوا من كل أصقاع الأرض وعقدوا مؤتمراً يمثل كل الشعوب واتفقوا على رجل واحد, ومنحوه كل الحرية ودون أي مسؤولية وعلى أن يفعل ما يريد وهم سينفذون له كل ما يشاء ويرغب, وأخرجوه!
وصار هذا الرجل يسير في الطرقات والشوارع يأمر وينهى والجميع ينفذون. شاهد بناءً مرتفعاً ضخماً وجميلاً وعلى الفورقال: هذا البناء لي!... اكتبوه باسمي. وفجر الخبر الخوف والذعر بين الجميع!... وبعد ذلك, رأى امرأة جميلة تسير مع زوجها وأولادها فقال: هذه المرأة لي هاتوها وأخذها. ونزل معها في فندق وأمر بإخراج كل الزبائن منه وتملكه أيضاً. وفي اليوم الثاني, قال أنا لا أرى العالم الذي ( أملكه) أريد طائرة وأحضروا له طائرة وتملكها, وصار يطير ويأمر وينهي عن بعد:هذا القصر لي.. هذه المدينة أزيلوها من هنا...وهذه الغابة تحتاج إلى نهر يسير داخلها فتصبح أجمل وأملكها. وهكذا صار الناس كلهم عبيداً له يخدمونه ودون أي اعتراض, وانتشرت الفوضى والتخريب في كل مكان . فعادت الحرية إلى حزنها وعزلتها وصارت هذه المرة تبكي. تتألم وتتفجع وهي تبكي!.
وذات صباح طرقت بابها صديقتها القديمة المسؤولية!. والتقت الصديقتان وتبادلتا القبل والعناق الحار على طريقة السيدات المحترمات. وفجأة وحين جلستا اعترفت لها المسؤولية قائلة: أنا تعبت كثيراً ولا أستطيع أن أعيش وأعمل من دونك. إنني دون الحرية مشلولة وكذا الجميع. وعلى الفور قفزت الحرية نحوها وراحت تقبلها بحرارة وهي تقول: وأنا كذلك يا صديقتي ولا أستطيع العيش وحيدة فكلي خراب وتخريب من دونك.
وهنا كانت النصيحة أن تصبح الحرية مسؤولة ولا تنفصل إحداهن عن الأخرى. وعشنا بعد ذلك نحن البشر, وطوال حياتنا في ثبات ونبات وانجبنا في ذلك الأولاد والبنات