تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مدارس المتفوقين بين الواقع والطموح

مجتمع
الأثنين 1/12/ 2008 م
د. لطوف العبد الله

تعد فئة الموهوبين والمتفوقين فئة استثنائية من فئات المجتمع وهي تتميز بطاقات خاصة واحتياجات مختلفة, كما أن لها مشكلاتها وصعوباتها, ويمكن استثمار القدرات الهائلة لهذه الفئة استثمارا ثريا لمصلحة المجتمع والأمة,

وبالمقابل فإن الواجب يقتضي مساعدتهم للارتقاء بمواهبهم, وإعدادهم ليكونوا قادة المستقبل وموردا من موارد التخصص والثروة القومية والمهنية للوطن حيث إن هذه الفئة من الطلبة تمتلك رصيدا ضخما من الموارد الحقيقية للقدرات الاستثنائية التي لايجوز لأي وطن اهمالها أو عدم العناية بها.‏

تعامل المربون والمختصون مع هذه الفئة الاستثنائية من خلال أساليب أربعة عرفت بالتجميع والتسريع والإثراء, والإرشاد حيث يتم فرز الطلاب حسب قدراتهم وفق اسلوب التجميع كليا أو جزئيا ليتلقوا تدريبا دراسيا يجمع ما بين التسريع والإثراء أو كل منها على حدة وقد يجري فرز الطلاب ضمن صفوف خاصة ترتبط بالمواد الدراسية للقيام بمشروعات خاصة مستقلة أو تجميعهم في كل مرحلة تعليمية ضمن مجموعات للقيام بنشاطات تعليمية متقدمة- متطورة (مدراس خاصة) شريطة أن تكون عملية الفرز وفق أساليب تشخيص دقيقة وشاملة أما في التسريع فإنه نتيجة لحركة الطالب المتسارعة والمختلفة عن أقرانه العاديين فقد يتم القفز في الصفوف أو التسريع في مادة دراسية محددة أو القبول المبكر في الروضة أو الصف الأول الابتدائي, أما الإثراء فإنه يتضمن خبرات تعليمية ثرية للطالب إضافة لما يقدم للطلبة العاديين ويتم التزويد من خلالها ببرامج نوعية غزيرة الاتساع والمضمون والتطبيق.‏

ومن هنا فإنه قد يبدو أن هناك تداخلاً بين مفهومي الإثراء والتسريع ولكن التمييز بينهما بأن أي استراتيجية تعطي الطالب مكانة متقدمة من حيث التقدير الصفي تعتبر تسريعا وغير ذلك فهو إثراء.‏

هذه خلفية نظرية مبسطة حول أهمية الموهوبين والاساليب المتبعة في التعامل مع هذه الفئة من الطلبة كمدخل للموضوع الذي تتصدى له في هذه المادة وهي مدارس المتقوفين..‏

إن مدارس المتفوقين على مساحة الوطن العربي أنشئت استناداً إلى اسلوب التجميع الذي أشرنا إليه سابقا والذي يبنى على أساس فرز الطلاب وفق قدراتهم وستنظر في معالجة المسألة من زاوتين.‏

الزاوية الأولى: الآثار السلبية لمدارس المتقوفين .‏

الزاوية الثانية: واقع مدارس المتقوفين.‏

أما عن الآثار السلبية التي رصدتها معظم الدراسات في العالم فتتمثل بالآتي:‏

ضعف العلاقات الإنسانية والتواصل.‏

انخفاض واقعية الطلبة وهبوط نظرتهم إلى أنفسهم (مفهوم الذات) بالإضافة إلى ضعف ثقتهم بذواتهم.‏

اعتبار التجميع نوعا من الظلم الاجتماعي وتكريسا للطبقية فإذا كانت هذه الآثار السلبية لأسلوب التجميع فيما لو كان الفرز والتجميع في مدارس المتفوقين قد تم وفق أسس علميه صحيحة وتمت مراعاة كل الظروف والشروط المناسبة لبيئة المبدعين والمتفوقين فما بالك بمدارس المتفوقين على مساحة الوطن العربي التي تفتقر إلى الكثير من الأسس التي يجب مراعاتها والمتمثلة بالإجابة عن التساؤلات الآتية:‏

هل تم اختبار الطلاب الذين تم تجميعهم وفقا لأساليب الكشف الشاملة عن الموهوبين?‏

هل حدث تعديل في المنهج بما يتناسب مع الموهوبين سواء بالإثراء أم التسريع?‏

هل أعد المعلم إعدادا ملائما ليقوم بهذا النوع من التربية?‏

هل تم توفير بيئة تعليمية متكاملة من شأنها صقل مواهب هؤلاء الطلبة?‏

هل توفرت الإدارة الرشيدة والقيادة الفعالة لهذه البرامج وتوفرت المواد المساندة والمساعدة?‏

هل توفرت برامج إرشاد وتوجيه ملائمة وخدمة اجتماعية?‏

إن الجواب عن هذه الأسئلة يعرفه القاصي والداني والأهل والمعلمون إن جل هذه المتطلبات تفتقر إليها مدارس المتفوقين ومن هنا فإننا نحذر من الاستمرار في هذه التجربة وفق ما هو قائم لأنة سيكون كابوسا مرعبا على الطلبة المنتمين إلى هذه المدارس وستظهر النتائج السلبية في المستقبل ولكن بعد فوات الأوان.‏

والأمانة العلمية يقتضي أن نذكر تجربة مدارس اليوبيل في الأردن بأنها رائدة وتتميز بمخرجات ذات جودة عالية لأنها قامت على أسس علمية قومية أما مدارس المتفوقين الأخرى فإنها بدأت بصورة خاطئة قبل استكمال مستلزمات إنشائها وتأسيسها ما أدى إلى هذه الصورة المظلمة عن هذه المدارس وانطلاقاً مما ذكرناه سابقاً فإننا نتطلع إلى الآتي:‏

أولاً: إجراء دراسة علمية دقيقة عن مدارس المتفوقين في الوطن العربي لتحديد نقاط الخلل وهذه الخطوة الأولى لتلمس العلاج.‏

ثانياً: إنشاء هيئة وطنية للموهوبين والمبدعين بإطر متخصصة في هذا الميدان, ومطلعة على التجارب الرائدة عالمياً, وتكون ذراعاً مساعداً لوزارة التربية وفق آلية تعاون واضحة.‏

ثالثاً: توفير تدريب سريع وعاجل لمجموعة من الأطر في إحدى الدول المتقدمة في هذا المجال ليعودوا بأحدث الأساليب لرعاية الموهوبين.‏

رابعاً: الاسترشاد بالاستراتيجية العربية للموهبة والإبداع التي ستصدرها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم مطلع 2009 لإصدار استراتيجيات وطنية في الموهبة والإبداع إصدار أدلة وطنية للأسر والمدارس وأصحاب القرار المهتمين.‏

خامساً: الاستفادة من الأبحاث العلمية المدفونة في غبار المكتبات‏

الخلاصة:‏

ليس عيباً أن نتوقف عند تجاربنا بالدرس والتدقيق في مجالات العمل كافة وأن نتلمس الطريق الصحيح بالتدقيق على الجوانب الإيجابية والسلبية, فنعزز الأولى ونتجنب الثانية ولاسيما عندما يتعلق الأمر بفلذات أكبادنا وبثروات أمتنا رجال المستقيل.‏

العيب أن نتعصب لتجاربنا ونتمترس فيها وبين النداءات الصادقة والأساليب العلمية في التشخيص والتحليل ووضع العلاج المناسب, فنتستر على الخلل وتضيع فرص النجاح, العيب أن ننظر إلى أي رأي على أنه موجه للأشخاص وليس للتجارب فتقف حجر عثرة أمام التشخيص والعلاج وبلوغ الأهداف.‏

ومن هنا فإننا نناشد المسؤولين عن الشأن التربوي العربي باغتنام الفرص والوقوف عند هذه التجربة بالدرس والتمحيص لمعالجة ما يمكن علاجه قبل فوات الأوان, آملين ألا يتعالى المعنيون على النصيحة المخلصة ويعتبرون من دروس الماضي - بأنه ما خاب من استشار‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية