نمو رغم الأزمة
لم تكشف العاصفة التي هبت على الأسواق المالية بوضوح عن تأثيرات مباشرة على القطاع المصرفي السوري فمصارفنا اليوم ما زالت في وضع جيد مقارنة ببقية مصارف المنطقة وإن الثقة (التي تزعزعت) قليلاً يمكن أن تعود إلى عهدها القوي بحلول مطلع العام المقبل كحد أقصى وذلك على عكس المصارف والأسواق المالية العربية التي يمكن أن يتأخر انتعاشها إلى ما بعد عام على الأقل إذ شكلت سيولة المصارف السورية السد المنيع في منع تسرب الآثار السلبية إلى القطاع المصرفي كما لعبت نوعية التسليفات المصرفية السورية وتوزع الودائع خط الدفاع الأول, لكن هذا الواقع لا يمنع من الآثار غير المباشرة التي ستؤدي إلى جمود التسليفات لتمويل المشاريع الكبرى نتيجة الحذر الذي سببته الأزمة المالية وسرعة انتشارها.
وينعم القطاع المصرفي السوري اليوم بنمو ودائعه بنسبة 40% خلال الربع الأخير من العام وهي نسبة جيدة مع الإشارة إلى أن أزمة الرهن العقاري في أمريكا عمرها أكثر من 15 شهراً, ما يعني أن نمو الودائع استمر رغم وجود الأزمة المتزايدة في الخارج حالياً.
هذه الميزة تكملها ميزة أخرى وهي سلامة التسليفات وتوزعها بشكل يحد من الآثار السلبية للأزمة الخارجية, فودائع القطاع المصرفي السوري موزعة كالآتي: التسليفات للقطاع العام, والتسليفات الموظفة في تمويل القطاعات الاقتصادية المختلفة وهو ما يعرض بالتوظيف في الحركة الاقتصادية أو إقراض القطاع الخاص من الزراعة والصناعة والتجارة والخدمات والسياحة والبناء والقروض السكنية والفردية.
ثمة فرص
تبدو إلى اليوم المصارف السورية منعزلة عن المصاعب التي شهدتها الأسواق المالية غير أن الواقع يشير إلى أن الأزمات المتلاحقة قد تتمخض عن تداعيات سلبية على البنوك السورية التي ستؤدي إلى جمود التسليفات للمشاريع الكبرى نتيجة الحذر الذي سببته الأزمة حسب بعض الاقتصاديين.
ويؤكد باسل الحموي مدير بنك (عودة) سورية بالقول: لن يكون هناك جمود في التسليفات المصرفية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة لكن المشاريع الضخمة التي تحتاج إلى تمويل خارجي ستتأثر بالتأكيد وبشكل مباشر, ما يستوجب الحذر خلال هذه الفترة من الاقتراض الخارجي وخصوصاً أن المصارف الخارجية ستكون لديها قابلية إقراض أقل بالنسبة لبلدان مثل سورية باعتبار أنها لا تريد أن تأخذ مخاطرة عبر البلاد مشيراً إلى أن ثمة فرصاً في الأزمة للبحث عن فرص أخرى للاقراض في ظل الشح العالمي للاقراض كأن تساعد البنوك زبائنها الموجودين أو بجذب زبائن جدد من الذين يقترضون من الخارج نحو الاقراض الداخلي.
ويدعو الحموي في هذا السياق المصارف الخاصة إلى رفع رساميلها ليتاح لها اغتنام الفرصة والاقراض داخل سورية فضلاً عن أن رأس المال الكبير يخفف من حدة المخاطر, مرجحاً أن تقدم الكثير من المصارف الخاصة مطلع العام المقبل على رفع رساميلها.
تبقى أكثر
إذاً يمكن القول: إن لا خسائر كبيرة حدثت جراء العاصفة بل فرص ذهبية تنتظر اليوم القطاع المصرفي السوري بالتوجه نحو الاقراض الداخلي ورفع رساميل المصارف وفي المحصلة فإن الانعكاسات الإيجابية تبقى أكثر من السلبيات في حال استثمارها انطلاقاً من لجم التضخم وكلفة العجز التجاري مع التفاته إلى القطاعات الانتاجية لأن السيولة المتوافرة باتت تشكل عنصراً جاذباً للرساميل والتوظيفات التي تبحث اليوم عن الاستقرار المالي!.